أما البند الأول، فهو حد لصد قريش عن المسجد الحرام، فهو أيضا فشل لقريش، و ليس فيه ما يشفي قريشا سوى أنها نجحت في الصد لذلك العام الواحد فقط.
أعطت قريش هذه الخلال الثلاث للمسلمين، و حصلت بإزائها خلة واحدة فقط، و هي ما في البند الرابع، و لكن تلك الخلة تافهة جدا، ليس فيها شيء يضر بالمسلمين، فمعلوم أن المسلم ما دام مسلما لا يفر عن اللّه و رسوله، و عن مدينة الإسلام، و لا يفر إلا إذا ارتد عن الإسلام ظاهرا أو باطنا، فإذا ارتد فلا حاجة إليه للمسلمين، و انفصاله من المجتمع الإسلامي خير من بقائه فيه، و هذا الذي أشار إليه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بقوله: إنه من ذهب منا إليهم فأبعده اللّه [1] و أما من أسلم من أهل مكة- فهو و إن لم يبق للجوئه إلى المدينة سبيل- لكن أرض اللّه واسعة، أ لم تكن الحبشة واسعة للمسلمين حينما لم يكن يعرف أهل المدينة عن الإسلام شيئا؟ و هذا الذي أشار إليه النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) بقوله: «و من جاءنا منهم سيجعل اللّه له فرجا و مخرجا» [2].
و الأخذ بمثل هذا الاحتفاظ، و إن كان مظهر الاعتزاز لقريش، لكنه في الحقيقة ينبئ عن شدة انزعاج قريش و هلعهم و خورهم، و عن شدة خوفهم على كيانهم الوثني، و كأنهم كانوا قد أحسوا أن كيانهم اليوم على شفا جرف هار، لا بد له من الأخذ بمثل هذا الاحتفاظ. و ما سمح به النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) من أنه لا يسترد من فرّ إلى قريش من المسلمين، فليس هذا إلا دليلا على أنه يعتمد على تثبيت كيانه و قوته كمال الاعتماد، و لا يخاف عليه من مثل هذا الشرط.
حزن المسلمين و مناقشة عمر مع النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم)
هذه هي حقيقة بنود هذه الهدنة، لكن هناك ظاهرتان عمت لأجلهما المسلمين كآبة و حزن شديد، الأولى: أنه كان قد أخبرهم أن سنأتي البيت فنطوف به، فماله يرجع و لم يطف له؟
الثانية: أنه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و على الحق، و اللّه وعد إظهار دينه، فماله قبل ضغط قريش، و أعطى الدنية في الصلح؟ كانت هاتان الظاهرتان مثار الريب و الشكوك و الوساوس و الظنون. و صارت مشاعر المسلمين لأجلهما جريحة، بحيث غلب الهم و الحزن على التفكير في عواقب بنود الصلح. و لعل أعظمهم حزنا كان عمر بن الخطاب، فقد جاء إلى النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) و قال: يا رسول اللّه أ لسنا على حق و هم على باطل؟ قال: بلى. قال: أ ليس قتلان