، في شوال سنة 6 ه و ذلك أن رهطا من عكل و عرينة أظهروا الإسلام، و أقاموا بالمدينة فاستوخموها، فبعثهم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) في ذود في المرعى، و أمرهم أن يشربوا من ألبانها و أبوالها، فلما صحوا قتلوا راعي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و استاقوا الإبل و كفروا بعد إسلامهم، فبعث في طلبهم كرزا الفهري في عشرين من الصحابة، و دعا على العرنيين: «اللهم أعم عليهم الطريق، و اجعلها عليهم أضيق من مسك، فعمى اللّه عليهم السبيل»، فأدركوا، فقطعت أيديهم و أرجلهم، و سملت أعينهم، جزاء و قصاصا بما فعلوا، ثم تركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا [2] و حديثهم في الصحيح عن أنس [3].
و يذكر أهل السير بعد ذلك سرية عمرو بن أمية الضمري مع سلمة بن أبي سلمة، في شوال سنة 6 ه، أنه ذهب إلى مكة لاغتيال أبي سفيان، لأن أبا سفيان كان أرسل أعرابيا لاغتيال النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم)، بيد أن المبعوثين لم ينجحا في الاغتيال، لا هذا، و لا ذاك، و يذكرون أن عمرا قتل في الطريق ثلاثة رجال، و يقولون إن عمرا أخذ جثة الشهيد خبيب في هذا السفر، و المعروف أن خبيبا استشهد بعد الرجيع بأيام أو أشهر، و وقعة الرجيع كانت في صفر سنة 4 ه، فلا أدري هل اختلط السفران على أهل السير، أو كان الأمران في سفر واحد في السنة الرابعة، و قد أنكر العلامة المنصور فوري أن تكون هذه السرية سرية حرب أو مناوشة. و اللّه أعلم.
هذه هي السرايا و الغزوات بعد الأحزاب، و بني قريظة، لم يجر في واحدة منها قتال مرير، و إنما وقعت فيما وقعت مصادمة خفيفة، فليست هذه البعوث إلا دوريات استطلاعية، أو تحركات تأديبية، لإرهاب الأعراب و الأعداء الذين لم يستكينوا بعد. و يظهر بعد التأمل في الظروف أن مجرى الأيام كان قد أخذ في التطور بعد غزوة الأحزاب، و أن أعداء الإسلام كانت معنوياتهم في انهيار متواصل، و لم يكن بقي لهم أمل في نجاح كسر الدعوة الإسلامية و خضد شوكتها، إلا أن هذا التطور ظهر جليا بصلح الحديبية، فلم تكن الهدنة إلا الاعتراف بقوة الإسلام، و التسجيل على بقائها في ربوع الجزيرة العربية.
[1] هذا هو الذي كان قد أغار على سرح المدينة قبل بدر في غزوة صفوان ثم أسلم و قتل شهيدا يوم فتح مكة.