فقال: لأمك الويل، إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف، قال: فأضربه ضربة أثخنته و لم أقتله. ثم وضعت ظبة السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا، حتى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي، و أنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حتى جلست على الباب. فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أ قتلته؟ فلما صاح الديك صاح الناعي على السور فقال: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النجاء، فقد قتل اللّه أبا رافع. فانتهيت إلى النبي (صلّى اللّه عليه و سلم)، فحدثته فقال:
ابسط رجلك، فبسطت رجلي فمسحها فكأنها لم أشتكها قط [1].
هذه رواية البخاري، و عن ابن إسحاق أن جميع النفر دخلوا على أبي رافع، و اشتركوا في قتله، و أن الذي تحامل عليه بالسيف حتى قتله هو عبد اللّه بن أنيس، و فيه أنهم لما قتلوه ليلا، و انكسرت ساق عبد اللّه بن عتيك حملوه، و أتوا منهرا من عيونهم، فدخلوا فيه، و أوقد اليهود النيران، و اشتدوا في كل وجه، حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم، و إنهم حين رجعوا احتملوا عبد اللّه بن عتيك حتى قدموا على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) [2].
كان مبعث هذه السرية في ذي القعدة أو ذي الحجة سنة 5 ه [3].
و لما فرغ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) من الأحزاب و قريظة، و اقتص من مجرمي الحروب أخذ يوجه حملات تأديبية إلى القبائل و الأعراب، الذين لم يكونوا يستكينون للأمن و السلام إلا بالقوة القاهرة.
سرية محمد بن مسلمة
كانت أول سرية بعد الفراغ من الأحزاب و قريظة، و كان عدد قوات هذه السرية ثلاثين راكبا.
تحركت هذه السرية إلى القرطاء، بناحية ضرية بالبكرات من أرض نجد، و بين ضرية و المدينة سبع ليال، تحركت لعشر ليال خلون من المحرم سنة 6 ه إلى بطن بني بكر بن كلاب، فلما أغارت عليهم هرب سائرهم، فاستاق المسلمون نعما و شاء، و قدموا