و تكون لها العاقبة، و الحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم، و لم يتميز الصادق من غيره، و لو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين لتمييز الصادق من الكاذب، و ذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيا عن المسلمين، فلما جرت هذه القصة، و أظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل و القول عاد التلويح تصريحا، و عرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم، فاستعدوا لهم و تحرزوا منهم. و منها: أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس، و كسرا لشماختها، فلما ابتلى المؤمنون صبروا، و جزع المنافقون. و منها أن اللّه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم، فقيض لهم أسباب الابتلاء و المحن ليصلوا إليها.
و منها أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها إليهم. و منها أنه أراد إهلاك أعدائه، فقيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم و بغيهم و طغيانهم في أذى أوليائه، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين، و محق بذلك الكافرين [1].