الأنصاري الأوسي البدري، و أمرهم بالتمركز على جبل يقع على الضفة الجنوبية من وادي قناة- و عرف فيما بعد بجبل الرماة- جنوب شرق معسكر المسلمين، على بعد حوالي مائة و خمسين مترا من مقر الجيش الإسلامي.
و الهدف من ذلك هو ما أبداه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) في كلماته التي ألقاها إلى هؤلاء الرماة فقد قال لقائدهم: نضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتون من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فأثبت مكانك لا نؤتين من قبلك [1]. ثم قال للرماة: احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، و إن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا [2]، و في رواية البخاري أنه قال: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، و إن رأيتمونا هزمنا القوم و وطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم [3].
و بتعيين هذه الفصيلة في الجبل مع هذه الأوامر العسكرية الشديدة سد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) الثلمة الوحيدة التي كان يمكن لفرسان المشركين أن يتسللوا من ورائها إلى صفوف المسلمين، و يقوموا بحركات الالتفاف و عملية التطويق.
أما بقية الجيش فجعل على الميمنة المنذر بن عمرو، و جعل على الميسرة الزبير بن العوام، يسانده المقداد بن الأسود، و كان إلى الزبير مهمة الصمود في وجه فرسان خالد بن الوليد، و جعل في مقدمة الصفوف نخبة ممتازة من شجعان المسلمين و رجالاتهم المشهورين بالنجدة و البسالة، و الذين يوزنون بالآلاف.
و لقد كانت خطة حكيمة و دقيقة جدا، تتجلى فيها عبقرية قيادة النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) العسكرية- و أنه لا يمكن لأي قائد مهما تقدمت كفاءته أن يضع خطة أدق و أحكم من هذا- فقد احتل أفضل موضع من ميدان المعركة، مع أنه نزل فيه بعد العدو، فقد حمى ظهره و يمينه بارتفاعات الجبل، و حمى ميسرته و ظهره- حين يحتدم القتال- بسد الثلمة الوحيدة التي كانت توجد في جانب الجيش الإسلامي، و اختار لمعسكره موضعا مرتفعا يحتمي به- إذا نزلت الهزيمة بالمسلمين- و لا يلتجئ إلى الفرار، حتى يتعرض للوقوع في قبضة الأعداء المطاردين و أسرهم، و يلحق مع ذلك خسائر فادحة بأعدائه إن أرادوا احتلال معسكره