كيف شاءوا، و يأسروننا كيف شاءوا، و أيم اللّه مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء و الأرض، و اللّه ما تليق [1] شيئا، و لا يقوم لها شيء.
قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك و اللّه الملائكة. قال:
فرفع أبو لهب يده، فضرب بها وجهي ضربة شديدة، فثاورته، فاحتملني فضرب بي الأرض، ثم برك علي يضربني، و كنت رجلا ضعيفا، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته، فضربته به ضربة فعلت في رأسه شجة منكرة، و قالت: استضعفته أن غاب عنه سيده، فقام موليا ذليلا، فو اللّه ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه اللّه بالعدسة فقتلته [و هي قرحة تتشاءم بها العرب، فتركه بنوه، و بقي ثلاثة أيام لا تقرب جنازته، و لا يحاول دفنه، فلما خافوا السبة في تركه حفروا له، ثم دفعوه بعود في حفرته، و قذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه].
هكذا تلقت مكة أنباء الهزيمة الساحقة في ميدان بدر، و قد أثر ذلك فيهم أثرا سيئا جدا، حتى منعوا النياحة على القتلى، لئلا يشمت بهم المسلمون.
و من الطرائف أن الأسود بن المطلب أصيب ثلاثة من أبنائه يوم بدر، و كان يحب أن يبكي عليهم، و كان ضرير البصر، فسمع ليلا صوت نائحة، فبعث غلامه، و قال: انظر هل أحل النحب؟ هل بكت قريش على قتلاها؟ لعلي أبكي على أبي حكيمة- ابنه- فإن جوفي قد احترق، فرجع الغلام و قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته، فلم يتمالك الأسود نفسه و قال:
أ تبكي أن يضل لها بعير* * * و يمنعها من النوم السهود
فلا تبكي على بكر و لكن* * * على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سراة بني هصيص* * * و مخزوم و رهط أبي الوليد
و بكي إن بكيت على عقيل* * * و بكي حارثا أسد الأسود
و بكيهم، و لا تسمي جميعا* * * و ما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهم رجال* * * و لو لا يوم بدر لم يسودوا
المدينة تتلقى أنباء النصر:
و لما تم الفتح للمسلمين أرسل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بشيرين إلى أهل المدينة، ليعجل لهم