على أطراف قدميه كي يخفي أثره فحفيت قدماه، و أيا ما كان، فقد حمله أبو بكر حين بلغ إلى الجبل، و طفق يشتد به حتى انتهى به إلى غار في قمة الجبل، عرف في التاريخ بغار ثور [1].
إذ هما في الغار
و لما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: و اللّه لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه، و وجد في جانبه ثقبا فشق إزاره و سدها به، و بقي منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم). ادخل. فدخل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و وضع رأسه في حجره و نام، فلدغ أبو بكر في رجله من الحجر، و لم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، فسقطت دموعه على وجه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، فقال: ما لك يا أبا بكر؟ قال:
لدغت، فداك أبي و أمي، فتفل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، فذهب ما يجده [2].
و كمنا في الغار ثلاث ليال، ليلة الجمعة و ليلة السبت و ليلة الأحد [3]. و كان عبد اللّه ابن أبي بكر يبيت عندهما. قالت عائشة: و هو غلام شاب ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا يكتادان به إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام. و (كان) يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل- و هو لبن منحتهما و رضيفهما- حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث [4]. و كان عامر بن فهيرة يتبع بغنمه أثر عبد اللّه بن أبي بكر بعد ذهابه إلى مكة ليعفى عليه [5].
أما قريش فقد جن جنونها حينما تأكد لديها إفلات رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) صباح ليلة تنفيذ المؤامرة. فأول ما فعلوا بهذا الصدد أنهم ضربوا عليا، و سحبوه إلى الكعبة، و حبسوه ساعة، عليهم يظفرون بخبرهما [6].
[1] رحمة للعالمين 1/ 95، مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد اللّه النجدي ص 167.
[2] رواه رزين عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، و فيه ثم انتقض عليه (أي رجع أثر السم حين موته) و كان سبب موته. انظر مشكاة المصابيح، باب مناقب أبي بكر 2/ 556.