أمام هذه النصرة، و أمام هذه البشارات، أقشعت سحابة الكابة و الحزن و اليأس، التي كانت مطبقة عليه منذ أن خرج من الطائف مطرودا مدحورا، حتى صمم على العود إلى مكة، و على القيام باستئناف خطته الأولى في عرض الإسلام و إبلاغ رسالة اللّه الخالدة بنشاط جديد وجد و حماس.
و حينئذ قال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم و قد أخرجوك؟ يعني قريشا. فقال:
يا زيد إن اللّه جاعل لما ترى فرجا و مخرجا، و إن اللّه ناصر دينه و مظهر نبيه.
و سار رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) حتى إذا دنا من مكة مكث بحراء، و بعث رجلا من خزاعة إلى الأخنس بن شريق ليجيره، فقال: أنا حليف، و الحليف لا يجير. فبعث إلى سهيل بن عمرو، فقال سهيل: إن بني عارم لا تجير على بني كعب، فبعث إلى المطعم بن عدي، فقال المطعم: نعم، ثم تسلح و دعا بنيه و قومه فقال: البسوا السلاح، و كونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرت محمدا، ثم بعث إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم): أن ادخل، فدخل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و معه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى: يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدا فلا يهجه أحد منكم، و انتهى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) إلى الركن فاستلمه، و صلى ركعتين، و انصرف إلى بيته، و مطعم بن عدي و ولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته.
و قيل: إن أبا جهل سأل مطعما: أ مجير أنت أم متابع- مسلم-؟ قال: بل مجير.
و قد حفظ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) للمطعم هذا الصنيع، فقال في أسارى بدر: لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له [2].
[1] التقطنا تفصيل حادث الطائف من ابن هشام 1/ 419، 420، 421، 422، و زاد المعاد 2/ 46، 47، و مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد اللّه النجدي ص 141، 142، 143، و رحمة للعالمين 1/ 71، 72، 73، 74، و تاريخ إسلام للنجيبآبادي 1/ 123، 124.