(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، و قلة حيلتي، و هواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، و أنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، و لكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، و صلح عليه أمر الدنيا و الآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، و لا حول و لا قوة إلا بك).
فلما رآه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما، فدعوا غلاما لهما نصرانيا، يقال له عداس، و قالا له: خذ قطفا من هذا العنب و اذهب به إلى هذا الرجل. فلما وضعه بين يدي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) مد يده إليه قائلا: «باسم اللّه»، ثم أكل.
فقال عداس: إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «من أي البلاد أنت؟ و ما دينك؟» قال: أنا نصراني، من أهل (نينوى). فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم):
«من قرية الرجل الصالح يونس بن متى!» قال له: و ما يدريك ما يونس بن متى؟ قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «ذاك أخي، كان نبيا و أنا نبي»، فأكب عداس على رأس رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و يديه و رجليه يقبلها.
فقال ابنا ربيعة أحدهما للآخر: أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاء عداس قالا له: ويحك ما هذا؟ قال: يا سيدي، ما في الأرض شيء خير من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي، قالا له: ويحك يا عداس، لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه.
و رجع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) في طريق مكة بعد خروجه من الحائط كئيبا محزونا كسير القلب، فلما بلغ قرن المنازل بعث اللّه إليه جبريل و معه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة.
و قد روى البخاري تفصيل القصة- بسنده- عن عروة بن الزبير، أن عائشة رضي اللّه عنها حدثته أنها قالت للنبي (صلّى اللّه عليه و سلم): هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال:
«لقيت من قومك ما لقيت، و كان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت- و أنا مهموم- على وجهي، فلم أستفق إلا و أنا بقرن الثعالب- و هو المسمى بقرن المنازل- فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن اللّه قد سمع قول قومك