وأما الذين رفعوا اللام فإنهم أرادوا المثال الأكثر من أسماء العرب الذي يجتمع فيه الضمتان مثلُ: الحُلُم والعُقُب [1] .
ولا تُنْكرن أن يجعل الكلمتان كالواحدة إذا كثر بهما الكلام. ومن ذلك قول العرب: «بأَبَا» إنما هو «بِأَبِي» الْيَاءُ من المتكلم ليست من الأب فلما كثر بهما الكلام توهموا أنهما حرف واحد فصيروها ألفا ليكون على مثال:
حُبْلَى وسَكْرى وما أشبهه من كلام العرب. أنشدني أبو ثَرْوان:
قال الجواري ما ذَهَبْتَ مَذْهَبَا ... وعِبْننِي ولم أكنُ مُعَيَّبَا
هل أنت إلا ذاهب لتلعبا ... أريت إن أعطيت نَهْدًا كَعْثَبَا «2»
أذاك أم نُعطيكَ هَيْدًا هَيْدَبَا [3] ... أَبْرَدَ في الظَّلماء من مَسِّ الصّبا
فقلت: لا، بل ذاكما يا بِيبا [4] ... أجدرُ [5] ألا تَفْضَحَا وتَحْرَبَا
«هل أنت إلا ذاهب لتلعبا» [6] ذهب ب «هل» إلى معنى «ما» . [1] العقب: العاقبة. ويقال فيه العقب بضم فسكون.
(2) يصف الركب (أي الفرج) . والنهد: المرتفع المشرف ومنه نهد الثدي (كمنع ونصر) نهودا إذا كعب وارتفع وأشرف. وكعثب نهد: ناتى مرتفع فإن كان لا صقا فهو هيدب. والكعثب والكثعب: الكرب الضخم الممتلى الشاخص المكتنز الناتئ. والكعثب أيضا صاحبته يقال: امرأة كعثب وكثعب أي ضخمة الركب. [3] الهيد الهيدب: الذي فيه رخاوة مثل ركب العجائز المسترخى لكبرها. [4] «يا بيبا» أصله: يا بأبى، و «يا» للنداء المراد منه التنبيه، وقد تستعمل فى موضعه «وا» كقول الراجز:
وا بأبى أنت وفوك الأشنب [5] فى الأصول: «أحذر» وهو تصحيف. «وتحربا» : أي تغضبا. وحرب كفرح:
اشتدّ غضبه. [6] أعاد هذا الشطر ليتكلم على شىء فيه. يريد أن الغرض من الاستفهام النفي كقوله تعالى: «هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ» .