وذويهِ، مِن المُتعاطينَ لعلْمِ الشعرِ دُون عَمله، إنما يعلُم ذلك من دُفع في مَسْلك طريقِ الشعرِ إلى مُضَايِقه وانتهى إلى ضَروراته1. 294- وعن بعضِهم أنه قال: رآني البحتري ومعي دفترُ شعرٍ فقال: ما هذا؟ فقلتُ: شعرَ الشَّنفرى. فقال: وإلى أينَ تَمْضي؟ فقلتُ: إلى أبي العباس أقرؤه عليه. فقال: قد رأيتُ أَبا عبَّاسِكم هذا منذُ أيامٍ عندَ ابنِ ثَوَابة فما رأيتُه ناقداً للشعرِ ولا مُميزاً للألفاظِ، ورأيتُه يَستجيد شيئاً ويُنشِدُه، وما هو بأَفضَلِ الشعر. فقلتُ له: أمَّا نَقْدُه وتَمييزُه فهذه صناعةٌ أُخرى، ولكنَّه أعرفُ الناس بإِعرابهِ وغَريبهِ، فما كان يُنْشِدُ؟ قالَ قولَ الحارثِ بنِ وَعْلَة: قَومي هُمُ قَتلُوا أُمَيمَ أَخي ... فإِذا رَمَيْتُ يُصِيبني سَهْمي فلِئنْ عفَوْتُ لأَعْفُوَنْ جَلَلاً ... ولئنْ سَطَوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمي2 فقلتُ: واللهِ ما أَنْشَد إلاَّ أحْسَن شعرٍ في أحسنِ معنًى ولفظٍ. وقال: أَين الشعرُ الذي فيهِ عُروقُ الذهبِ؟ فقلتُ: مثْلُ ماذا؟ فقالَ: مثلُ قولِ أبي ذؤَاب: إن يَقْتُلوكَ فقَدْ ثَلَلْتَ عُروشَهُمْ ... بِعُتَيْبَةَ بنِ الحارثِ بِنِ شِهاب بأَشَدِّهم كَلَباً عَلَى أَعْدائِهِ ... وأعزهم فقدًا على الأصحاب3 1 ستأتي في الفقرة رقم: 314. 2 الشعر للحارث بن وعلة الذهلي، شرح الحماسة للتبريزي 1: 107، والمؤتلف والمختلف للآمي: 197، و "أميم"، متأذى "يا أميم"، مرخم، و "أوهنن"، من الوهن، وهو الضعف. و"جللًا"، أي صفحت عن أمر جليل عظيم. 3 الشعر لأبي ذؤاب ربيعة بن عبيد الأسدي، في المؤتلف والمختلف للآمدي: 126، والأمالي: 2: 72، والسمط: 706، وفي روايته اختلاف. وكان في المطبوعة وحدها "على أعدائهم".