responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير روح المعاني - ط دار العلمية نویسنده : الألوسي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 196
الأمر رعاية لرفعة شأنه عليه الصلاة والسلام، والفاء من فَأْتُوا جوابية وأمر السببية ظاهر، والأمر من باب التعجيز وإلقام الحجر كما في قوله تعالى: فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ [البقرة: 258] وهو من الإتيان بمعنى المجيء بسهولة كيفما كان، ويقال في الخير والشر والأعيان والأعراض، ثم صار بمعنى الفعل والتعاطي ك لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى [التوبة: 54] وأصل فَأْتُوا فأتيوا فأعل الإعلال المشهور، وأتى شذوذا حذف الفاء فقيل «ت» و «توا» والتنوين في سورة للتنكير أي ائتوا بسورة ما وهي القطعة من القرآن التي أقلها ثلاث آيات، وفيه من التبكيت والتخجيل لهم في الارتياب ما لا يخفى.
ومِنْ مِثْلِهِ إما أن يكون ظرفا مستقرا صفة لسورة والضمير راجع إما- لما- التي هي عبارة عن المنزل أو للعبد وعلى الأول يحتمل أن تكون من للتبعيض أو للتبيين، والأخفش يجوز زيادتها في مثله، والمعنى بسورة مماثلة للقرآن في البلاغة والأسلوب المعجز وهذا على الأخيرين ظاهر، وإما على التبعيض فلأنه لم يرد بالمثل مثل محقق معين للقرآن بل ما يماثله فرضا (¬1) كما قيل: في مثلك لا يجهل، ولا شك أن بعضيتها للمماثل الفرضي لازمة لمماثلتها للقرآن فذكر اللازم وأريد الملزوم سلوكا لطريق الكناية مع ما في لفظ مِنْ التبعيضية الدالة على القلة من المبالغة المناسبة لمقام التحدي، وبهذا رجح بعضهم التبعيض على التبيين مع ما في التبيين من التصريح بما علم ضمنا حيث إن المماثلة للقرآن تفهم من التعبير بالسورة إلا أنه مؤيد بما يأتي، وعلى الثاني يتعين أن تكون مِنْ للابتداء مثلها في إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ [النمل: 30] ويمتنع التبعيض والتبيين والزيادة امتناع الابتداء في الوجه الأول، وإما أن تكون صلة فَأْتُوا.
والشائع أن يتعين حينئذ عود الضمير للعبد لأن مِنْ لا تكون بيانية إذ لا مبهم، ولكونه مستقرا أبدا لا تتعلق بالأمر لغوا ولا تبعيضية وإلا لكان الفعل واقعا عليه حقيقة كما في- أخذت من الدراهم- ولا معنى لاتيان البعض بل المقصد الإتيان بالبعض، ولا مجال لتقدير الباء مع وجود مِنْ ولأنه يلزم أن يكون بِسُورَةٍ ضائعا فتعين أن تكون ابتدائية، وحينئذ يجب كون الضمير للعبد لا للمنزل، وجعل المتكلم مبدأ عرفا- للإتيان بالكلام منه- معنى حسن مقبول بخلاف جعل الكل مبدأ للإتيان ببعض منه فإنه لا يرتضيه ذو فطرة سليمة، وأيضا المعتبر في مبدأ الفعل هو المبدأ الفاعلي، أو المادي، أو الغائي، أو جهة يتلبس بها وليس الكل بالنسبة إلى الجزء شيئا من ذلك، وعليه يكون اعتبار مماثلة المأتي به للقرآن في البلاغة مستفادا من لفظ السورة، ومساق الكلام بمعونة المقام.
واعترض بأن معنى مِنْ لا ينحصر فيما ذكر فقد تجيء للبدل نحو أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ [التوبة: 38] لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً [الزخرف: 60] وللمجاوزة كعذت منه، فعلى هذا- لو علق مِنْ مِثْلِهِ ب فَأْتُوا وحمل مِنْ على البدل أو المجاوزة ومثل- على المقحم ورجع الضمير إلى مِمَّا نَزَّلْنا على معنى فَأْتُوا بدل ذلك الكتاب العظيم شأنه الواضح برهانه أو مجاوزين من هذا الكتاب مع فخامة أثره وجلالة قدره بسورة فذة- لكان أبلغ في التحدي وأظهر في الإعجاز، على أن عدم صحة شيء مما اعتبر في المبدأ ممنوع فإن الملابسة بين الكل والبعض أقوى منها بين المكان والمتمكن، فكما يجوز جعل المكان مبدأ الفعل المتمكن يجوز أن يجعل الكل مبدأ للإتيان بالبعض، ولعل من قال ذلك لم يطرق سمعه قول سيبويه: وبمنزلة المكان ما ليس بمكان ولا زمان نحو- قرأت من أول السورة إلى آخرها، وأعطيتك من درهم إلى دينار- وأيضا فالإتيان ببعض الشيء تفريقه منه، ولا
¬
(¬1) وبعضهم يقول على التبعيض المراد ائتوا بمقدار بعض ما من القرآن مماثل له في البلاغة ولا إشكال فيه اهـ منه.
نام کتاب : تفسير روح المعاني - ط دار العلمية نویسنده : الألوسي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 196
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست