(طه
(١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٢). أي لتتعب بالمبالغة في محاورة الطغاة ، وفرط التأسف على كفرهم ، أو
لتهلك نفسك بالعبادة وبكثرة الرياضة ، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة ، (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) (٣) ، أي ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب في تبليغه ، ولكن تذكرة لمن يسلم. (تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ
وَالسَّماواتِ الْعُلى) (٤) ، منصوب على المدح والاختصاص ، أو منصوب بـ «يخشى» مفعولا به أي أمدح تكليما من الله ، أو أنزل الله
القرآن تذكرة لمن يخشى ، تكليم الله تعالى. (الرَّحْمنُ عَلَى
الْعَرْشِ اسْتَوى)
(٥) أي الرحمن أوجد
الكائنات ، ودبر أمرها فالاستواء على العرش ، مجاز عن الملك والسلطان ، متفرع على
الكناية فيمن يجوز عليه القعود على السرير ، يقال : استوى فلان على سرير الملك ،
ويراد بهذا القول صار فلان ملكا ، وإن لم يقعد على السرير أصلا. والمراد هنا بيان
تعلّق إرادته تعالى بإيجاد الكائنات ، وتدبير أمرها.
(لَهُ ما فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ، سواء كان فيهما جزءا منهما ، أو حالا فيهما. (وَما بَيْنَهُما) ، من الموجودات الكائنة في الجوّ دائما كالهواء ،
والسحاب ، أو أكثريا كالطير (وَما تَحْتَ الثَّرى) (٦) ، أي والذي تحت الأرض السابعة السفلى ، لأن الأرضين على ظهر الحوت ،
والحوت على الماء والماء على صخرة خضراء ، فخضرة السماء منها والصخرة ، على قرني
ثور ، والثور على الثرى ، وهو التراب الندي ، ولا يعلم ما تحته إلا الله أي أنه
تعالى مالك لهده الأقسام الأربعة ، تصرفا وإيجادا وإعداما ، وإحياء ، وإماتة. (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) ، أي وإن تجهر بذكره تعالى ودعائه ، فاعلم أنه تعالى
غني عن جهرك. (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ
السِّرَّ وَأَخْفى) (٧) أي لأنه يعلم ما أسررته إلى غيرك في خفاء ، وما أخطرته ببالك من غير أن
تتفوه به أصلا. وهذا إما نهي عن الجهر وإما إرشاد للعباد إلى أن الجهر
ليس لإسماعه تعالى ، بل لغرض آخر كحضور القلب ودفع الشواغل ، والوسوسة : (اللهُ) ، أي ذلك الموصوف بصفات الكمال ، هو الله لا إله إلا هو
، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).