responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3955
وهو سؤال المشدوه المبهوت المفجوء، الذي يرى ما لم يعهد، ويواجه ما لا يدرك، ويشهد ما لا يملك الصبر أمامه والسكوت. ما لها؟ ما الذي يزلزلها هكذا ويرجها رجا؟ مالها؟ وكأنه يتمايل على ظهرها ويترنح معها ويحاول أن يمسك بأي شيء يسنده ويثبته، وكل ما حوله يمور مورا شديدا! «والإنسان» قد شهد الزلازل والبراكين من قبل. وكان يصاب منها بالهلع والذعر، والهلاك والدمار، ولكنه حين يرى زلزال يوم القيامة لا يجد أن هناك شبها بينه وبين ما كان يقع من الزلازل والبراكين في الحياة الدنيا.
فهذا أمر جديد لا عهد للإنسان به. أمر لا يعرف له سرا، ولا يذكر له نظيرا. أمر هائل يقع للمرة الأولى! «يَوْمَئِذٍ» .. يوم يقع هذا الزلازل، ويشده أمامه الإنسان «تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها» .. يومئذ تحدث هذه الأرض أخبارها، وتصف حالها وما جرى لها.. لقد كان ما كان لها «بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها» ..
وأمرها أن تمور مورا، وأن تزلزل زلزالها، وأن تخرج أثقالها! فأطاعت أمر ربها «وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ» ..
تحدث أخبارها. فهذا الحال حديث واضح عما وراءه من أمر الله ووحيه إليها..
وهنا و «الْإِنْسانُ» مشدوه مأخوذ، والإيقاع يلهث فزعا ورعبا، ودهشة وعجبا، واضطرابا ومورا.. هنا و «الْإِنْسانُ» لا يكاد يلتقط أنفاسه وهو يتساءل: مالها مالها؟ هنا يواجه بمشهد الحشر والحساب والوزن والجزاء:
«يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ. فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» .
وفي لمحة نرى مشهد القيام من القبور: «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً» .. نرى مشهدهم شتيتا منبعثا من أرجاء الأرض «كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ» .. وهو مشهد لا عهد للإنسان به كذلك من قبل. مشهد الخلائق في أجيالها جميعا تنبعث من هنا ومن هناك: «يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً» .. وحيثما امتد البصر رأى شبحا ينبعث ثم ينطلق مسرعا! لا يلوي على شيء، ولا ينظر وراءه ولا حواليه: «مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ» ممدودة رقابهم، شاخصة أبصارهم. «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ» .
إنه مشهد لا تعبر عن صفته لغة البشر. هائل مروّع. مفزع. مرعب. مذهل ...
كل أولئك وسائر ما في المعجم من أمثالها لا تبلغ من وصف هذا المشهد شيئا مما يبلغه إرسال الخيال قليلا يتملاه بقدر ما يملك وفي حدود ما يطيق! «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً» .. «لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ» .. وهذه أشد وأدهى.. إنهم ذاهبون إلى حيث تعرض عليهم أعمالهم، ليواجهوها، ويواجهوا جزاءها. ومواجهة الإنسان لعمله قد تكون أحيانا أقسى من كل جزاء.
وإن من عمله ما يهرب من مواجهته بينه وبين نفسه، ويشيح بوجهه عنه لبشاعته حين يتمثل له في نوبة من نوبات الندم ولذع الضمير. فكيف به وهو يواجه بعمله على رؤوس الأشهاد، في حضرة الجليل العظيم الجبار المتكبر؟! إنها عقوبة هائلة رهيبة.. مجرد أن يروا أعمالهم، وأن يواجهوا بما كان منهم! ووراء رؤيتها الحساب الدقيق الذي لا يدع ذرة من خير أو من شر لا يزنها ولا يجازي عليها.
«فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» ..
ذرة.. كان المفسرون القدامى يقولون: إنها البعوضة. وكانوا يقولون: إنها الهباءة التي ترى في ضوء الشمس ... فقد كان ذلك أصغر ما يتصورون من لفظ الذرة ...
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3955
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست