responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3922
وليس من أعطى واتقى كمن بخل واستغنى، وليس من صدق وآمن كمن كذب وتولى. وأن لكل طريقا، ولكل مصيرا، ولكل جزاء وفاقا:
«إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى. فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى، وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى» ..
إن سعيكم لشتى.. مختلف في حقيقته. مختلف في بواعثه. مختلف في اتجاهه. مختلف في نتائجه..
والناس في هذه الأرض تختلف طبائعهم، وتختلف مشاربهم، وتختلف تصوراتهم، وتختلف اهتماماتهم، حتى لكأن كل واحد منهم عالم خاص يعيش في كوكب خاص.
هذه حقيقة. ولكن هناك حقيقة أخرى. حقيقة إجمالية تضم أشتات البشر جميعا. وتضم هذه العوالم المتباينة كلها. تضمها في حزمتين اثنتين. وفي صفين متقابلين. تحت رايتين عامتين: «مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى» .. و «مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى» ..
من أعطى نفسه وماله. واتقى غضب الله وعذابه. وصدق بهذه العقيدة التي إذا قيل «الحسنى» كانت اسما لها وعلما عليها.
ومن بخل بنفسه وماله. واستغنى عن الله وهداه. وكذب بهذه الحسنى..
هذان هما الصفان اللذان يلتقي فيهما شتات النفوس، وشتات السعي، وشتات المناهج، وشتات الغايات.
ولكل منهما في هذه الحياة طريق.. ولكل منهما في طريقه توفيق! «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى.. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى» ..
والذي يعطي ويتقي ويصدق بالحسنى يكون قد بذل أقصى ما في وسعه ليزكي نفسه ويهديها. عندئذ يستحق عون الله وتوفيقه الذي أوجبه- سبحانه- على نفسه بإرادته ومشيئته. والذي بدونه لا يكون شيء، ولا يقدر الإنسان على شيء.
ومن يسره الله لليسرى فقد وصل.. وصل في يسر وفي رفق وفي هوادة.. وصل وهو بعد في هذه الأرض.
وعاش في يسر. يفيض اليسر من نفسه على كل ما حوله وعلى كل من حوله. اليسر في خطوه. واليسر في طريقه. واليسر في تناوله للأمور كلها. والتوفيق الهادئ المطمئن في كلياتها وجزئياتها. وهي درجة تتضمن كل شيء في طياتها. حيث تسلك صاحبها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وعد ربه له: «وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى [1] » ..
«وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى.. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى. وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى.» ..
والذي يبخل بنفسه وماله، ويستغني عن ربه وهداه، ويكذب بدعوته ودينه.. يبلغ أقصى ما يبلغه إنسان بنفسه من تعريضها للفساد. ويستحق أن يعسر الله عليه كل شيء، فييسره للعسرى! ويوفقه إلى كل وعورة! ويحرمه كل تيسير! ويجعل في كل خطوة من خطاه مشقة وحرجا، ينحرف به عن طريق الرشاد. ويصعد به في طريق الشقاوة. وإن حسب أنه سائر في طريق الفلاح. وإنما هو يعثر فيتقي العثار بعثرة أخرى تبعده عن طريق الله، وتنأى به عن رضاه.. فإذا تردى وسقط في نهاية العثرات والانحرافات لم يغن عنه ماله الذي بخل به، والذي استغنى به كذلك عن الله وهداه.. «وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى» .. والتيسير للشر والمعصية من

[1] يراجع تفسير قوله تعالى: «وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى» في سورة الأعلى ص 3889- 3892.
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3922
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست