responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3916
بها من دلالة، حتى استحقت أن يقسم بها الجليل العظيم.
ومشاهد الكون وظواهره إطلاقا بينها وبين القلب الإنساني لغة سرية! متعارف عليها في صميم الفطرة وأغوار المشاعر. وبينها وبين الروح الإنساني تجاوب ومناجاة بغير نبرة ولا صوت، وهي تنطق للقلب، وتوحي للروح، وتنبض بالحياة المأنوسة للكيان الإنساني الحي، حيثما التقى بها وهو مقبل عليها، متطلع عندها إلى الأنس والمناجاة والتجاوب والإيحاء.
ومن ثم يكثر القرآن من توجيه القلب إلى مشاهد الكون بشتى الأساليب، في شتى المواضع. تارة بالتوجيهات المباشرة، وتارة باللمسات الجانبية كهذا القسم بتلك الخلائق والمشاهد، ووضعها إطارا لما يليها من الحقائق.
وفي هذا الجزء بالذات لاحظنا كثرة هذه التوجيهات واللمسات كثرة ظاهرة. فلا تكاد سورة واحدة تخلو من إيقاظ القلب لينطلق إلى هذا الكون، يطلب عنده التجاوب والإيحاء. ويتلقى عنه- بلغة السر المتبادل- ما ينطق به من دلائل وما يبثه من مناجاة! وهنا نجد القسم الموحي بالشمس وضحاها.. بالشمس عامة وحين تضحى وترتفع عن الأفق بصفة خاصة.
وهي أروق ما تكون في هذه الفترة وأحلى. في الشتاء يكون وقت الدفء المستحب الناعش. وفي الصيف يكون وقت الإشراق الرائق قبل وقدة الظهيرة وقيظها. فالشمس في الضحى في أروق أوقاتها وأصفاها. وقد ورد أن المقصود بالضحى هو النهار كله، ولكنا لا نرى ضرورة للعدول عن المعنى القريب للضحى. وهو ذو دلالة خاصة كما رأينا.
وبالقمر إذا تلاها.. إذا تلا الشمس بنوره اللطيف الشفيف الرائق الصافي.. وبين القمر والقلب البشري ود قديم موغل في السرائر والأعماق، غائر في شعاب الضمير، يترقرق ويستيقظ كلما التقى به القلب في أية حال. وللقمر همسات وإيحاءات للقلب، وسبحات وتسبيحات للخالق، يكاد يسمعها القلب الشاعر في نور القمر المنساب.. وإن القلب ليشعر أحيانا أنه يسبح في فيض النور الغامر في الليلة القمراء، ويغسل أدرانه، ويرتوي، ويعانق هذا النور الحبيب ويستروح فيه روح الله.
ويقسم بالنهار إذا جلاها.. مما يوحي بأن المقصود بالضحى هو الفترة الخاصة لا كل النهار. والضمير في «جَلَّاها» .. الظاهر أن يعود إلى الشمس المذكورة في السياق.. ولكن الإيحاء القرآني يشي بأنه ضمير هذه البسيطة. وللأسلوب القرآني إيحاءات جانبية كهذه مضمرة في السياق لأنها معهودة في الحس البشري، يستدعيها التعبير استدعاء خفيا. فالنهار يجلي البسيطة ويكشفها. وللنهار في حياة الإنسان آثاره التي يعلمها. وقد ينسى الإنسان بطول التكرار جمال النهار وأثره. فهذه اللمسة السريعة في مثل هذا السياق توقظه وتبعثه للتأمل في هذه الظاهرة الكبرى.
ومثله: «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها» .. والتغشية هي مقابل التجلية. والليل غشاء يضم كل شيء ويخفيه. وهو مشهد له في النفس وقع. وله في حياة الإنسان أثر كالنهار سواء.
ثم يقسم بالسماء وبنائها: «وَالسَّماءِ وَما بَناها» .. «وَما» هنا مصدرية. ولفظ السماء حين يذكر يسبق إلى الذهن هذا الذي نراه فوقنا كالقبة حيثما اتجهنا، تتناثر فيه النجوم والكواكب السابحة في أفلاكها ومداراتها.
فأما حقيقة السماء فلا ندريها. وهذا الذي نراه فوقنا متماسكا لا يختل ولا يضطرب تتحقق فيه صفة البناء بثباته وتماسكه. أما كيف هو مبني، وما الذي يمسك أجزاءه فلا تتناثر وهو سابح في الفضاء الذي لا نعرف له أولا ولا آخرا.. فذلك ما لا ندريه. وكل ما قيل عنه مجرد نظريات قابلة للنقض والتعديل. ولا قرار لها ولا ثبات..
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3916
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست