responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3911
. ليختار أيهما شاء، ففي طبيعته هذا الاستعداد المزدوج لسلوك أي النجدين. والنجد الطريق المرتفع. وقد اقتضت مشيئة الله أن تمنحه القدرة على سلوك أيهما شاء، وأن تخلقه بهذا الازدواج طبقا لحكمة الله في الخلق، وإعطاء كل شيء خلقه، وتيسيره لوظيفته في هذا الوجود.
وهذه الآية تكشف عن حقيقة الطبيعة الإنسانية كما أنها تمثل قاعدة «النظرية النفسية الإسلامية» هي والآيات الأخرى في سورة الشمس: «وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» (وسنرجىء عرضها بشيء من التفصيل إلى الموضع الآخر في سورة الشمس لأنه أوسع مجالا) .
هذه الآلاء التي أفاضها الله على جنس الإنسان في خاصة نفسه، وفي صميم تكوينه، والتي من شأنها أن تعينه على الهدى: عيناه بما تريان في صفحات هذا الكون من دلائل القدرة وموحيات الإيمان وهي معروضة في صفحات الكون مبثوثة في حناياه. ولسانه وشفتاه وهما أداة البيان والتعبير وعنهما يملك الإنسان أن يفعل الشيء الكثير. والكلمة أحيانا تقوم مقام السيف والقذيفة وأكثر وأحيانا تهوي بصاحبها في النار كما ترفعه أو تخفضه.
في هذه النار.. «عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار. قال:
سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفىء الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل شعار الصالحين، ثم تلا قوله تعالى:
«تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ....» ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: كف عليك هذا، وأشار إلى لسانه. قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك! وهل يكب الناس في النار على وجوههم- أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم؟» رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وهدايته إلى إدراك الخير والشر، ومعرفة الطريق إلى الجنة والطريق إلى النار، وإعانته على الخير بهذه الهداية..
هذه الآلاء كلها لم تدفع هذا «الْإِنْسانَ» إلى اقتحام العقبة التي تحول بينه وبين الجنة. هذه العقبة التي يبينها الله له في هذه الآيات:
«فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ.. وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ؟ فَكُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ. أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ» ..
هذه هي العقبة التي يقتحمها الإنسان- إلا من استعان بالإيمان- هذه هي العقبة التي تقف بينه وبين الجنة.
لو تخطاها لوصل! وتصويرها كذلك حافز قوي، واستجاشة للقلب البشري، وتحريك له ليقتحم العقبة وقد وضحت ووضح معها أنها الحائل بينه وبين هذا المكسب الضخم.. «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ» ! ففيه تحضيض ودفع وترغيب! ثم تفخيم لهذا الشأن وتعظيم: «وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ!» .. إنه ليس تضخيم العقبة، ولكنه تعظيم شأنها عند الله، ليحفز به «الْإِنْسانَ» إلى اقتحامها وتخطيها مهما تتطلب من جهد ومن كبد. فالكبد واقع واقع. وحين يبذل لاقتحام العقبة يؤتي ثمره ويعوض المقتحم عما يكابده، ولا يذهب ضياعا وهو واقع واقع على كل حال!
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3911
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست