responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3903
عنده شأن. تلقي في السياق ظل الليلات ذات الشخصية الخاصة. وكأنها خلائق حية معينة ذوات أرواح، تعاطفنا ونعاطفها من خلال التعبير القرآني الرفاف! «وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ» .. يطلقان روح الصلاة والعبادة في ذلك الجو المأنوس الحبيب. جو الفجر والليالي العشر..
«ومن الصلاة الشفع والوتر» (كما جاء في حديث أخرجه الترمذي) وهذا المعنى هو أنسب المعاني في هذا الجو.
حيث تلتقي روح العبادة الخاشعة، بروح الوجود الساجية! وحيث تتجاوب الأرواح العابدة مع أرواح الليالي المختارة، وروح الفجر الوضيئة.
«وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ» .. والليل هنا مخلوق حي، يسري في الكون، وكأنه ساهر يجول في الظلام! أو مسافر يختار السرى لرحلته البعيدة! يا لأناقة التعبير! ويا لأنس المشهد! ويا لجمال النغم! ويا للتناسق مع الفجر، والليالي العشر. والشفع والوتر! إنها ليست ألفاظا وعبارات. إنما هي أنسام من أنسام الفجر، وأنداء مشعشعة بالعطر! أم إنه النجاء الأليف للقلب؟ والهمس اللطيف للروح؟ واللمس الموحي للضمير؟
إنه الجمال.. الجمال الحبيب الهامس اللطيف. الجمال الذي لا يدانيه جمال التصورات الشاعرية الطليقة.
لأنه الجمال الإبداعي، المعبر في الوقت ذاته عن حقيقة.
ومن ثم يعقب عليه في النهاية: - «هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ» ؟ وهو سؤال للتقرير. إن في ذلك قسما لذي لب وعقل. إن في ذلك مقنعا لمن له إدراك وفكر. ولكن صيغة الاستفهام- مع إفادتها التقرير- أرق حاشية.
فهي تتناسق مع ذلك الجو الهامس الرقيق! أما المقسم عليه بذلك القسم، فقد طواه السياق، ليفسره ما بعده، فهو موضوع الطغيان والفساد، وأخذ ربك لأهل الطغيان والفساد، فهو حق واقع يقسم عليه بذلك القسم في تلميح يناسب لمسات السورة الخفيفة على وجه الإجمال:
«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ، إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ؟ وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ؟ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ؟ .. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ؟ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ» ..
وصيغة الاستفهام في مثل هذا السياق أشد إثارة لليقظة والالتفات. والخطاب للنبي- صلى الله عليه وسلم- ابتداء. ثم هو لكل من تتأتى منه الرؤية أو التبصر في مصارع أولئك الأقوام، وكلها مما كان المخاطبون بالقرآن أول مرة يعرفونه ومما تشهد به الآثار والقصص الباقية في الأجيال المتعاقبة، وإضافة الفعل إلى «رَبَّكَ» فيها للمؤمن طمأنينة وأنس وراحة. وبخاصة أولئك الذين كانوا في مكة يعانون طغيان الطغاة، وعسف الجبارين من المشركين، الواقفين للدعوة وأهلها بالمرصاد.
وقد جمع الله في هذه الآيات القصار مصارع أقوى الجبارين الذين عرفهم التاريخ القديم.. مصرع:
«عاد إرم» وهي عاد الأولى. وقيل: إنها من العرب العاربة أو البادية. وكان مسكنهم بالأحقاف وهي كثبان الرمال. في جنوبي الجزيرة بين حضرموت واليمن. وكانوا بدوا ذوي خيام تقوم على عماد. وقد وصفوا في القرآن بالقوة والبطش، فقد كانت قبيلة عاد هي أقوى قبيلة في وقتها وأميزها: «الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ» في ذلك الأوان..
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3903
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست