responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3560
لقد تمت المبايعة على هذه الصفقة بين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة- رضي الله عنه- ليلة العقبة. قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اشترط لربك ولنفسك ما شئت» . فقال- صلى الله عليه وسلم-: «أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم» .. قال: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: «الجنة» قالوا: ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل! ولكن فضل الله عظيم. وهو يعلم من تلك النفوس أنها تتعلق بشيء قريب في هذه الأرض، يناسب تركيبها البشري المحدود. وهو يستجيب لها فيبشرها بما قدره في علمه المكنون من إظهار هذا الدين في الأرض، وتحقيق منهجه وهيمنته على الحياة في ذلك الجيل: «وأخرى تحبونها: نصر من الله وفتح قريب. وبشر المؤمنين» ..
وهنا تبلغ الصفقة ذروة الربح الذي لا يعطيه إلا الله. الله الذي لا تنفد خزائنه، والذي لا ممسك لرحمته.
فهي المغفرة والجنات والمساكن الطيبة والنعيم المقيم في الآخرة. وفوقها.. فوق البيعة الرابحة والصفقة الكاسبة النصر والفتح القريب.. فمن الذي يدله الله على هذه التجارة ثم يتقاعس عنها أو يحيد؟! وهنا يعن للنفس خاطر أمام هذا الترغيب والتحبيب.. إن المؤمن الذي يدرك حقيقة التصور الإيماني للكون والحياة ويعيش بقلبه في هذا التصور ويطلع على آفاقه وآماده ثم ينظر للحياة بغير إيمان، في حدودها الضيقة الصغيرة، وفي مستوياتها الهابطة الواطية، وفي اهتماماتها الهزيلة الزهيدة.. هذا القلب لا يطيق أن يعيش لحظة واحدة بغير ذلك الإيمان، ولا يتردد لحظه واحدة في الجهاد لتحقيق ذلك التصور الضخم الوسيع الرفيع في عالم الواقع، ليعيش فيه، وليرى الناس من حوله يعيشون فيه كذلك.. ولعله لا يطلب على جهاده هذا أجرا خارجا عن ذاته. فهو ذاته أجر.. هذا الجهاد.. وما يسكبه في القلب من رضى وارتياح. ثم إنه لا يطيق أن يعيش في عالم بلا إيمان. ولا يطيق أن يقعد بلا جهاد لتحقيق عالم يسوده الإيمان. فهو مدفوع دفعا إلى الجهاد. كائنا مصيره فيه ما يكون..
ولكن الله- سبحانه- يعلم أن النفس تضعف، وأن الاندفاع يهبط، وأن الجهد يكل وأن حب السلامة قد يهبط بتلك المشاعر كلها ويقودها إلى الرضى بالواقع الهابط..
ومن ثم يجاهد القرآن هذه النفس ذلك الجهاد ويعالجها ذلك العلاج، ويهتف لها بالموحيات والمؤثرات ذلك الهتاف المتكرر المتنوع، في شتى المناسبات. ولا يكلها إلى مجرد الإيمان، ولا إلى نداء واحد باسم هذا الإيمان.
فها هو ذا يختم السورة بنداء جديد، يحمل طابعا جديدا، وإغراء جديدا، وموحيا جديدا:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ، كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ. فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ. فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ» ..
والحواريون هم تلاميذ المسيح- عليه السلام- قيل: الاثنا عشر الذين كانوا يلوذون به، وينقطعون للتلقي عنه. وهم الذين قاموا بعد رفعه بنشر تعاليمه وحفظ وصاياه.
والآية هنا تهدف إلى تصوير موقف لا إلى تفصيل قصة، فنسير نحن معها في ظلالها المقصودة إلى الغاية من سردها في هذا الموضع من السورة.
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ» .. في هذا الموضع الكريم الذي يرفعكم إليه الله. وهل أرفع من مكان يكون فيه العبد نصيرا للرب؟! إن هذه الصفة تحمل من التكريم ما هو أكبر من الجنة والنعيم.. كونوا أنصار الله، «كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ: نَحْنُ أَنْصارُ
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3560
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست