responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3495
أنزل الله الحديد «فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ» .. وهو قوة في الحرب والسلم «وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ» .. وتكاد حضارة البشر القائمة الآن تقوم على الحديد. «وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ» . وهي إشارة إلى الجهاد بالسلاح تجيء في موضعها في السورة التي تتحدث عن بذل النفس والمال.
ولما تحدث عن الذين ينصرون الله ورسله بالغيب، عقب على هذا بإيضاح معنى نصرهم لله ورسله، فهو نصر لمنهجه ودعوته، أما الله سبحانه فلا يحتاج منهم إلى نصر: «إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» ..
ولما انتهى من تقرير وحدة الرسالة في جوهرها وكتابها وميزانها عاد يقرر وحدتها في رجالها، فهم من ذرية نوح وإبراهيم.
«وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ» ..
فهي شجرة واحدة باسقة، متشابكة الفروع، فيها النبوة والكتاب. ممتدة من فجر البشرية منذ نوح، حتى إذا انتهت إلى إبراهيم، تفرعت وامتدت وانبثقت النبوات من ذلك الفرع الكبير الذي صار أصلا باسقا ممتدا إلى آخر الرسالات.
فأما الذرية التي جاءتها النبوات والكتب فلم تكن على شاكلة واحدة: «فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ» ..
وهو تلخيص قصير لذلك الخط الطويل! وقرب نهاية الخط يجيء عيسى بن مريم:
«ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» ..
أي على آثار السابقين من ذرية نوح وإبراهيم. فكانت الرسالة ممتدة واحدة على إثر واحدة حتى جاء عيسى ابن مريم.
ويذكر هنا صفة بارزة من صفات الذين اتبعوا عيسى بن مريم: «وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً» .. وهم الثمرة الطبيعية لدعوة المسيح- عليه السلام- وروحها السمحة وتطهرها الروحي، وشفافيتها الوضيئة والرأفة والرحمة ظاهرة واضحة في المؤمنين حقيقة برسالة عيسى عليه السلام، ممن أحسنوا اتباعه. وقد أشارت إليها آيات أخرى في القرآن الكريم، كما حفظ منها التاريخ صورا يرويها الرواة عن النجاشي وعن وفد نجران وعن أفراد ممن وفدوا على دار الإسلام بعد ظهوره راغبين في الإسلام، بحكم ما استقر في قلوبهم من الحق، مذ كانوا أتباع عيسى بن مريم بحق.
كذلك يذكر النص هنا ظاهرة أخرى عرفت في تاريخ أتباع المسيح عيسى بن مريم: «ورهبانية ابتدعوها- ما كتبناها عليهم- إلا ابتغاء رضوان الله» ..
والراجح في تفسير الآية أن هذه الرهبانية التي عرفها تاريخ المسيحية كانت اختيارا من بعض أتباع عيسى عليه السلام، ابتدعوها من عند أنفسهم ابتغاء رضوان الله، وابتعادا عن أوضار الحياة، ولم يكتبها الله عليهم ابتداء.
ولكنهم حين اختاروها وأوجبوها على أنفسهم صاروا مرتبطين أمام الله بأن يرعوا حقوقها، ويحافظوا على مقتضياتها من تطهر وترفع، وقناعة وعفة، وذكر وعبادة.. مما يحقق في أنفسهم حقيقة التجرد لله، التي قصدوا إليها بهذه الرهبانية التي ابتدعوها.
ولكنها انتهت إلى أن تصبح في الغالب طقوسا وشعائر خالية من الروح، وأن يتخذها الكثيرون مظهرا عاريا من الحقيقة. فلا يصبر على تكاليفها إلا عدد منهم قليل:
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3495
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست