responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3471
«فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ» .. فالأمر أوضح وأجلى من أن يحتاج إلى قسم.. «وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ» ..
وهذا التلويح بالقسم والعدول عنه أسلوب ذو تأثير في تقرير الحقيقة التي لا تحتاج إلى القسم لأنها ثابتة واضحة..
«إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ» ..
إنه لقرآن كريم. وليس كما تدعون قول كاهن، ولا قول مجنون، ولا مفترى على الله. من أساطير الأولين. ولا تنزلت به الشياطين! ... إلى آخر هذه الأقاويل. إنما هو قرآن كريم. كريم بمصدره، وكريم بذاته، وكريم باتجاهاته.
«فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ» .. مصون.. وتفسير ذلك في قوله تعالى بعدها: «لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» .. فقد زعم المشركون أن الشياطين تنزلت به. فهذا نفي لهذا الزعم. فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون في علم الله وحفظه. إنما تنزل به الملائكة المطهرون.. وهذا الوجه هو أظهر الوجوه في معنى «لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» .
ف «لا» هنا نافية لوقوع الفعل. وليست ناهية. وفي الأرض يمس هذا القرآن الطاهر والنجس. والمؤمن والكافر، فلا يتحقق النفي على هذا الوجه. إنما يتحقق بصرف المعنى إلى تلك الملابسة. ملابسة قولهم: تنزلت به الشياطين.
ونفي هذا الزعم إذ لا يمسه في كتابه السماوي المكنون إلا المطهرون..
ومما يؤيد هذا الاتجاه قوله تعالى بعد هذا: «تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ» .. لا تنزيل من الشياطين! وقد روي حديثان يقرران معنى آخر. وهو أن لا يمس القرآن إلا طاهر.. ولكن ابن كثير قال عنهما:
«وهذه وجادة جيدة قد قرأها الزهري وغيره. ومثل هذا لا ينبغي الأخذ به. وقد أسنده الدارقطني عن عمرو ابن حزم وعبد الله بن عمر وعثمان بن أبي العاص. وفي إسناد كل منهما نظر والله أعلم» .
ثم يأتي الإيقاع الأخير في السورة.. لحظة الموت.. اللمسة التي ترجف لها الأوصال. واللحظة التي تنهي كل جدال. واللحظة التي يقف فيها الحي بين نهاية طريق وبداية طريق. حيث لا يملك الرجوع ولا يملك النكوص:
«أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ؟ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ. فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ. فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ. تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ..
أفأنتم شاكون في هذا الحديث الذي يقال لكم عن النشأة الآخرة مكذبون بالقرآن وما يقصه عليكم من شأن الآخرة، وما يقرره لكم من أمور العقيدة؟ «وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ» .. فإذا التكذيب هو رزقكم الذي تحصلون عليه في حياتكم وتدخرونه لآخرتكم؟ وما أسوأه من رزق! فماذا أنتم فاعلون إذ تبلغ الحلقوم، وتقفون في مفرق الطريق المجهول؟
ثم يصور الموقف التصوير القرآني الموحي، الذي يرسم ظلال الموقف كلها في لمسات سريعة ناطقة بكل ما فيه، وبكل ما وراءه، وبكل ما يوحيه.
«فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ» ..
لنكاد نسمع صوت الحشرجة، ونبصر تقبض الملامح، ونحس الكرب والضيق من خلال قوله: «فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ» .. كما نكاد نبصر نظرة العجز وذهول اليأس في ملامح الحاضرين من خلال قوله: «وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ» ..
هنا. في هذه اللحظة. وقد فرغت الروح من أمر الدنيا. وخلفت وراءها الأرض وما فيها. وهي تستقبل
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3471
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست