responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3302
هي والتربية الإسلامية تعالج هذا الوهن وهذه الخواطر الفطرية بوسائلها. وقد نجحت نجاحا خارقا. ولكن هذا لا ينفي أن تكون هناك رواسب في بعض النفوس، وبخاصة في ذلك الوقت المبكر من العهد المدني. وهذه الآية بعض العلاج لهذه الرواسب. فلننظر كيف كان القرآن يأخذ النفوس. فنحن في حاجة إلى تحري خطوات القرآن في التربية. والنفوس هي النفوس:
«فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ. وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ. وَاللَّهُ مَعَكُمْ. وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ» ..
أنتم الأعلون. فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم. أنتم الأعلون اعتقادا وتصورا للحياة. وأنتم الأعلون ارتباطا وصلة بالعلي الأعلى. وأنتم الأعلون منهجا وهدفا وغاية. وأنتم الأعلون شعورا وخلقا وسلوكا.. ثم.. أنتم الأعلون قوة ومكانا ونصرة. فمعكم القوة الكبرى: «وَاللَّهُ مَعَكُمْ» .. فلستم وحدكم. إنكم في صحبة العلي الجبار القادر القهار. وهو لكم نصير حاضر معكم. يدافع عنكم. فما يكون أعداؤكم هؤلاء والله معكم؟ وكل ما تبذلون، وكل ما تفعلون، وكل ما يصيبكم من تضحيات محسوب لكم، لا يضيع منه شيء عليكم:
«وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ» .. ولن يقطع منها شيئا لا يصل إليكم أثره ونتيجته وجزاؤه.
فعلام يهن ويضعف ويدعو إلى السلم، من يقرر الله- سبحانه- له أنه الأعلى. وأنه معه. وأنه لن يفقد شيئا من عمله. فهو مكرم منصور مأجور؟
هذه هي اللمسة الأولى. واللمسة الثانية تهوين من شأن هذه الحياة الدنيا، التي قد يصيبهم بعض التضحيات فيها. وتوفية كاملة في الآخرة للأجور مع عدم إبهاظهم ببذل المال مقابل هذه الأجور! «إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ. وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ، وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ» ..
والحياة الدنيا لعب ولهو حين لا يكون وراءها غاية أكرم وأبقى. حين تعاش لذاتها مقطوعة عن منهج الله فيها. ذلك المنهج الذي يجعلها مزرعة الآخرة ويجعل إحسان الخلافة فيها هو الذي يستحق وراثة الدار الباقية.
وهذا هو الذي تشير إليه الفقرة التالية في الآية: «وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ» .. فالإيمان والتقوى في الحياة الدنيا هو الذي يخرجها عن أن تكون لعبا ولهوا ويطبعها بطابع الجد، ويرفعها عن مستوى المتاع الحيواني، إلى مستوى الخلافة الراشدة، المتصلة بالملأ الأعلى. ويومئذ لن يكون ما يبذله المؤمن المتقي من عرض هذه الحياة الدنيا ضائعا ولا مقطوعا فعنه ينشأ الأجر الأوفى، في الدار الأبقى.. ومع هذا فإن الله لا يسأل الناس أن يبذلوا أموالهم كلها، ولا يشق عليهم في فرائضه وتكاليفه، لعلمه سبحانه بشح نفوسهم فطرة وخلقة.
وهو لا يكلف نفسا إلا وسعها. وهو أرحم بهم من أن يكلفهم بذلها كلها، فتضيق صدورهم وتظهر أضغانهم:
«إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا، وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ» ..
وهذا النص يوحي بحكمة اللطيف الخبير، كما يوحي برحمته ولطفه بالنفوس. ويكشف عن التقدير الدقيق في تكاليف هذا الدين، ومراعاته للفطرة، وتناسقه مع بشرية البشر بكل استعدادتها، وطاقاتها، وأحوالها. فهو عقيدة ربانية لإنشاء نظام رباني إنساني. نظام رباني من ناحية أن الله هو الذي يقيم منهجه وقواعده وإنساني من ناحية أن الله يراعي في تكاليفه طاقة الإنسان وحاجته. والله هو الذي خلق، وهو أعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير.
وفي النهاية يواجههم بواقع حالهم تجاه دعوتهم إلى البذل في سبيل الله ويعالج شح النفوس بالمال بالوسائل القرآنية، كما عالج شحها في ذات النفس عند الجهاد:
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3302
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست