responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3266
وكذلك يقف المشركين في مكة أمام مصارع أسلافهم من أمثالهم فيقفهم أمام مصيرهم هم أنفسهم. ثم أمام الخط الثابت المطرد المتصل. خط الرسالة القائمة على أصلها الواحد الذي لا يتغير وخط السنة الإلهية التي لا تتحول ولا تتبدل. وتبدو شجرة العقيدة عميقة الجذور، ممتدة الفروع ضاربة في أعماق الزمان واحدة على اختلاف القرون واختلاف المكان.
«وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ- وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ- أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ. إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» ..
وأخو عاد هو هود- عليه السلام- يذكره القرآن هنا بصفته. صفة الأخوة لقومه. ليصور صلة الود بينه وبينهم، وصلة القرابة التي كانت كفيلة بأن تعطفهم إلى دعوته، وتحسن ظنهم بها وبه. وهي ذات الصلة بين محمد- صلى الله عليه وسلم- وقومه الذين يقفون منه موقف الملاحاة والخصومة.
والأحقاف جمع حقف. وهو الكثيب المرتفع من الرمال. وقد كانت منازل عاد على المرتفعات المتفرقة في جنوب الجزيرة- يقال في حضر موت.
والله- سبحانه- يوجه نبيه- صلى الله عليه وسلم- أن يذكر أخا عاد وإنذاره لقومه بالأحقاف. يذكره ليتأسى بأخ له من الرسل لقي مثلما يلقى من إعراض قومه وهو أخوهم. ويذكره ليذكر المشركين في مكة بمصير الغابرين من زملائهم وأمثالهم، على مقربة منهم ومن حولهم.
وقد أنذر أخو عاد قومه، ولم يكن أول نذير لقومه. فقد سبقته الرسل إلى أقوامهم..
«وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ» ..
قريبا منه وبعيدا عنه في الزمان وفي المكان. فالنذارة متصلة، وسلسلة الرسالة ممتدة. والأمر ليس بدعا ولا غريبا. فهو معهود مألوف.
أنذرهم- ما أنذر به كل رسول قومه-: «أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ. إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» ..
وعبادة الله وحده عقيدة في الضمير ومنهج في الحياة والمخالفة عنها تنتهي إلى العذاب العظيم في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما على السواء. والإشارة إلى اليوم «عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» .. تعني حين تطلق يوم القيامة وهو أشد وأعظم.
فماذا كان جواب قومه على التوجيه إلى الله، والإنذار بعذابه؟
«قالُوا: أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا؟ فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ!» ..
سوء الظن وعدم الفهم، والتحدي للنذير، واستعجال العذاب الذي ينذرهم به، والاستهزاء والتكذيب.
وإصرار على الباطل واعتزاز! فأما هود النبي فيتلقى هذا كله في أدب النبي، وفي تجرده من كل ادعاء، وفي الوقوف عند حده لا يتعداه:
«قالَ: إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ. وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ. وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ» ..
إنما أنذركم بالعذاب كما كلفت أن أنذركم. ولست أعلم متى يحين موعده، ولا كيف يكون شكله.
فعلم ذلك عند الله. وإنما أنا مبلغ عن الله. لا أدعي علما ولا قدرة مع الله.. «وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ» وتحمقون. وأية حماقة وأي جهل أشد من استقبال النذير الناصح والأخ القريب بمثل هذا التحدي والتكذيب؟
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 6  صفحه : 3266
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست