responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2973
ولا يقف المشهد عند هذا الموقف المؤذي ويطويه. بل يستطرد العرض فإذا مشهد جديد عجيب:
«الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ، وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ، وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» ..
وهكذا يخذل بعضهم بعضا، وتشهد عليهم جوارحهم، وتتفكك شخصيتهم مزقا وآحادا يكذب بعضها بعضا. وتعود كل جارحة إلى ربها مفردة، ويثوب كل عضو إلى بارئه مستسلما.
إنه مشهد عجيب رهيب تذهل من تصوره القلوب! كذلك انتهى المشهد وألسنتهم معقودة وأيديهم تتكلم، وأرجلهم تشهد، على غير ما كانوا يعهدون من أمرهم وعلى غير ما كانوا ينتظرون. ولو شاء الله لفعل بهم غير ذلك، ولأجرى عليهم من البلاء ما يريد..
ويعرض هنا نوعين من هذا البلاء لو شاء الله لأخذ بهما من يشاء:
«وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ، فَأَنَّى يُبْصِرُونَ، وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ» ..
وهما مشهدان فيهما من البلاء قدر ما فيهما من السخرية والاستهزاء. السخرية بالمكذبين والاستهزاء بالمستهزئين، الذين كانوا يقولون: «مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟» ..
فهم في المشهد الأول عميان مطموسون. ثم هم مع هذا العمى يستبقون الصراط ويتزاحمون على العبور، ويتخبطون تخبط العميان حين يتسابقون! ويتساقطون تساقط العميان حين يسارعون متنافسين! «فَأَنَّى يُبْصِرُونَ» وهم في المشهد الثاني قد جمدوا فجأة في مكانهم، واستحالوا تماثيل لا تمضي ولا تعود بعد أن كانوا منذ لحظة عميانا يستبقون ويضطربون! وإنهم ليبدون في المشهدين كالدمى واللعب، في حال تثير السخرية والهزء. وقد كانوا من قبل يستخفون بالوعيد ويستهزئون! ذلك كله حين يحين الموعد الذي يستعجلون.. فأما لو تركوا في الأرض، وعمروا طويلا وأمهلهم الوعد المرسوم بعض حين فإنهم صائرون إلى شر يحمدون معه التعجيل.. إنهم صائرون إلى شيخوخة وهرم، ثم إلى خرف ونكسة في الشعور والتفكير:
«وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ. أَفَلا يَعْقِلُونَ» ..
والشيخوخة نكسة إلى الطفولة. بغير ملاحة الطفولة وبراءتها المحبوبة! وما يزال الشيخ يتراجع، وينسى ما علم، وتضعف أعصابه، ويضعف فكره، ويضعف احتماله، حتى يرتد طفلا. ولكن الطفل محبوب اللثغة، تبسم له القلوب والوجوه عند كل حماقة. والشيخ مجتوى لا تقال له عثرة إلا من عطف ورحمة، وهو مثار السخرية كلما بدت عليه مخايل الطفولة وهو عجوز. وكلما استحمق وقد قوست ظهره السنون! فهذه العاقبة كتلك تنتظر المكذبين، الذين لا يكرمهم الله بالإيمان الراشد الكريم..
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2973
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست