responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1735
لأنهم لم يشاهدوا ما شاهد الذين خرجوا ولا فقهوا فقههم ولا وصلوا من أسرار هذا الدين إلى ما وصل إليه المتحركون وبخاصة إذا كان الخروج مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والخروج بصفة عامة أدنى إلى الفهم والتفقه.
ولعل هذا عكس ما يتبادر إلى الذهن، من أن المتخلفين عن الغزو والجهاد والحركة، هم الذين يتفرغون للتفقه في الدين! ولكن هذا وهم، لا يتفق مع طبيعة هذا الدين.. إن الحركة هي قوام هذا الدين ومن ثم لا يفقهه إلا الذين يتحركون به، ويجاهدون لتقريره في واقع الناس، وتغليبه على الجاهلية، بالحركة العملية.
والتجارب تجزم بأن الذين لا يندمجون في الحركة بهذا الدين لا يفقهونه مهما تفرغوا لدراسته في الكتب- دراسة باردة! - وأن اللمحات الكاشفة في هذا الدين إنما تتجلى للمتحركين به حركة جهادية لتقريره في حياة الناس ولا تتجلى للمستغرقين في الكتب العاكفين على الأوراق! إن فقه هذا الدين لا ينبثق إلا في أرض الحركة. ولا يؤخذ عن فقيه قاعد حيث تجب الحركة. والذين يعكفون على الكتب والأوراق في هذا الزمان لكي يستنبطوا منها أحكاماً فقهية «يجددون» بها الفقه الإسلامي أو «يطورونه» - كما يقول المستشرقون من الصليبيين! - وهم بعيدون عن الحركة التي تستهدف تحرير الناس من العبودية للعباد، وردهم إلى العبودية لله وحده، بتحكيم شريعة الله وحدها وطرد شرائع الطواغيت..
هؤلاء لا يفقهون طبيعة هذا الدين ومن ثم لا يحسنون صياغة فقه هذا الدين! إن الفقه الإسلامي وليد الحركة الإسلامية.. فقد وجد الدين أولاً ثم وجد الفقه. وليس العكس هو الصحيح.. وجدت الدينونة لله وحده، ووجد المجتمع الذي قرر أن تكون الدينونة فيه لله وحده.. والذي نبذ شرائع الجاهلية وعاداتها وتقاليدها والذي رفض أن تكون شرائع البشر هي التي تحكم أي جانب من جوانب الحياة فيه.. ثم أخذ هذا المجتمع يزاول الحياة فعلاً وفق المبادئ الكلية في الشريعة- إلى جانب الأحكام الفرعية التي وردت في أصل الشريعة- وفي أثناء مزاولته للحياة الفعلية في ظل الدينونة لله وحده، واستيحاء شريعته وحدها، تحقيقاً لهذه الدينونة، جدت له أقضية فرعية بتجدد الحالات الواقعية في حياته.. وهنا فقط بدأ استنباط الأحكام الفقهية، وبدأ نمو الفقه الإسلامي.. الحركة بهذا الدين هي التي أنشأت ذلك الفقه، والحركة بهذا الدين هي التي حققت نموه. ولم يكن قط فقها مستنبطاً من الأوراق الباردة، بعيداً عن حرارة الحياة الواقعة! .. من أجل ذلك كان الفقهاء متفقهين في الدين، يجيء فقههم للدين من تحركهم به، ومن تحركه مع الحياة الواقعة لمجتمع مسلم حي، يعيش بهذا الدين، ويجاهد في سبيله، ويتعامل بهذا الفقه الناشئ بسبب حركة الحياة الواقعة.
فأما اليوم.. «فماذا» ..؟ أين هو المجتمع المسلم الذي قرر أن تكون دينونته لله وحده والذي رفض بالفعل الدينونة لأحد من العبيد والذي قرر أن تكون شريعة الله شريعته والذي رفض بالفعل شرعية أي تشريع لا يجيء من هذا المصدر الشرعي الوحيد؟
لا أحد يملك أن يزعم أن هذا المجتمع المسلم قائم موجود! ومن ثم لا يتجه مسلم يعرف الإسلام ويفقه منهجه وتاريخه، إلى محاولة تنمية الفقه الإسلامي أو «تجديده» أو «تطويره!» في ظل مجتمعات لا تعترف ابتداء بأن هذا الفقه هو شريعتها الوحيدة التي بها تعيش. ولكن المسلم الجاد يتجه ابتداء لتحقيق الدينونة لله وحده وتقرير مبدأ أن لا حاكمية إلا لله، وأن لا تشريع ولا تقنين إلا مستمداً من شريعته وحدها تحقيقاً لتلك الدينونة..
إنه هزل فارغ لا يليق بجدية هذا الدين أن يشغل ناس أنفسهم بتنمية الفقه الإسلامي أو «تجديدة» أو
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1735
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست