responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1477
الحالة (أ) يحتمل أن تتبعها الحالة (ب) أو (ج) أو (د) أو غيرها من الحالات الأخرى التي يخطئها الحصر. نعم إن في استطاعته أن يقول: إن حدوث الحالة (ب) أكثر أحتمالا من حدوث الحالة (ج) وإن الحالة (ج) أكثر احتمالا من (د) ... وهكذا. بل إن في مقدوره أن يحدد درجة احتمال كل حالة من الحالات (ب) و (ج) و (د) بعضها بالنسبة إلى بعض. ولكنه لا يستطيع أن يتنبأ عن يقين: أي الحالات تتبع الأخرى. لأنه يتحدث دائماً عما يحتمل. أما ما يجب أن يحدث، فأمره موكول إلى الأقدار. مهما تكن حقيقة هذه الأقدار» [1] ومتى تخلص القلب من ضغط الأسباب الظاهرة، لم يعد هناك محل فيه للتوكل على غير الله ابتداء. وقدر الله هو الذي يحدث كل ما يحدث. وهو وحده الحقيقة المستيقنة. والأسباب الظاهرة لا تنشئ إلا احتمالات ظنية! .. وهذه هي النقلة الضخمة التي ينقلها الاعتقاد الإسلامي للقلب البشري- وللعقل البشري أيضاً- النقلة التي تخبطت الجاهلية الحديثة ثلاثة قرون لتصل إلى أولى مراحلها من الناحية العقلية ولم تصل إلى شيء منها في الناحية الشعورية، وما يترتب عليها من نتائج عملية خطيرة في التعامل مع قدر الله والتعامل مع الأسباب والقوى الظاهرية! .. إنها نقلة التحرر العقلي، والتحرر الشعوري، والتحرر السياسي، والتحرر الاجتماعي، والتحرر الأخلاقي ... إلى آخر أشكال التحرر وأوضاعه ... وما يمكن أن يتحرر «الإنسان» أصلاً إذا بقي عبداً للأسباب «الحتمية» وما وراءها من عبوديته لإرادة الناس. أو عبوديته لإرادة (الطبيعة!) فكل «حتمية» غير إرادة الله وقدره، هي قاعدة لعبودية لغير الله وقدره.. ومن ثم هذا التوكيد على التوكل على الله وحده، واعتباره شرطاً لوجود الإيمان أو عدمه.. والتصور الاعتقادي في الإسلام كل متكامل. ثم هو بدوره كل متكامل مع الصورة الواقعية التي يريدها هذا الدين لحياة الناس [2] .
«الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ» ..
وهنا نرى للإيمان صورة حركية ظاهرة- بعد ما رأيناه في الصفات السابقة مشاعر قلبية باطنة- ذلك أن الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل. فالعمل هو الدلالة الظاهرة للإيمان التي لا بد من ظهورها للعيان، لتشهد بالوجود الفعلي لهذا الإيمان.
وإقامة الصلاة ليست هي مجرد أدائها. إنما هي الأداء الذي يحقق حقيقتها. الأداء الكامل اللائق بوقفه العابد في حضرة المعبود- سبحانه- لا مجرد القراءة والقيام والركوع والسجود والقلب غافل! وهي في صورتها الكاملة تلك تشهد للإيمان بالوجود فعلاً.
«وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ» ..
في الزكاة وغير الزكاة.. وهم ينفقون «مما رزقناهم» .. فهو بعض مما رزقهم الرازق.. وللنص القرآني دائماً ظلاله وإيحاءاته. فهم لم يخلقوا هذا المال خلقاً. إنما هو مما رزقهم الله إياه- من بين ما رزقهم وهو كثير لا يحصى- فإذا أنفقوا فإنما ينفقون بعضه، ويحتفظون منه ببقية. والأصل هو رزق الله وحده! تلك هي الصفات التي حدد الله بها- في هذا المقام- الإيمان. وهي تشمل الاعتقاد في وحدانية الله والاستجابة الوجدانية لذكره والتأثر القلبي بآياته والتوكل عليه وحده وإقامة الصلاة له، والإنفاق من بعض رزقه..

[1] راجع بتوسع تفسير قوله تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ» في الجزء السابع من الظلال ص 1113- 1121.
[2] يراجع بتوسع كتاب: «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» .. دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1477
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست