responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1384
فيها إنما يقع بقدر من الله خاص بهذه المرة. فهي لا تجري جرياناً آلياً لا تدخل لقدر الله فيه.. وهذا مع ثباتها في طريقها ما لم يشأ الله أن تجري بغير ذلك.. وعلى أساس أن كل ما يقع- سواء من جريان القوانين الثابتة أو جريان غيرها- إنما يقع بقدر من الله خاص، فإنه تستوي الخارقة والقانون الثابت في جريانه بهذا القدر..
ولا آلية في نظام الكون في مرة واحدة- كما يظن الذين لا يعلمون! - ولقد بدأوا يدركون هذا في ربع القرن الأخير [1] ! على أية حال، لقد وقع ذلك لأهل القرية التي كانت حاضرة البحر من بني إسرائيل.. فإذا جماعة منهم تهيج مطامعهم أمام هذا الإغراء، فتتهاوى عزائمهم، وينسون عهدهم مع ربهم وميثاقهم، فيحتالون الحيل- على طريقة اليهود- للصيد في يوم السبت! وما أكثر الحيل عند ما يلتوي القلب، وتقل التقوى، ويصبح التعامل مع مجرد النصوص، ويراد التفلت من ظاهر النصوص! .. إن القانون لا تحرسه نصوصه، ولا يحميه حراسه. إنما تحرسه القلوب التقية التي تستقر تقوى الله فيها وخشيته، فتحرس هي القانون وتحميه. وما من قانون تمكن حمايته أن يحتال الناس عليه! ما من قانون تحرسه القوة المادية والحراسة الظاهرية! ولن تستطيع الدولة- كائناً ما كان الإرهاب فيها- أن تضع على رأس كل فرد حارساً يلاحقه لتنفيذ القانون وصيانته ما لم تكن خشية الله في قلوب الناس، ومراقبتهم له في السر والعلن..
من أجل ذلك تفشل الأنظمة والأوضاع التي لا تقوم على حراسة القلوب التقية. وتفشل النظريات والمذاهب التي يضعها البشر للبشر ولا سلطان فيها من الله.. ومن أجل ذلك تعجز الأجهزة البشرية التي تقيمها الدول لحراسة القوانين وتنفيذها. وتعجز الملاحقة والمراقبة التي تتابع الأمور من سطوحها! وهكذا راح فريق من سكان القرية التي كانت حاضرة البحر يحتالون على السبت، الذي حرم عليهم الصيد فيه.. وروي أنهم كانوا يقيمون الحواجيز على السمك ويحوّطون عليه في يوم السبت حتى إذا جاء الأحد سارعوا إليه فجمعوه وقالوا: إنهم لم يصطادوه في السبت، فقد كان في الماء- وراء الحواجيز- غير مصيد! وراح فريق منهم آخر يرى ما يفعلون من الاحتيال على الله! فيحذر الفريق العاصي مغبة احتياله! وينكر عليه ما يزاوله من الاحتيال! بينما مضى فريق ثالث يقول للآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر: ما فائدة ما تزاولونه مع هؤلاء العصاة، وهم لا يرجعون عما هم آخذون فيه؟ وقد كتب الله عليهم الهلاك والعذاب؟
«وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً؟» .
فلم تعد هناك جدوى من الوعظ لهم، ولم تعد هناك جدوى لتحذيرهم. بعد ما كتب الله عليهم الهلاك أو العذاب الشديد بما اقترفوه من انتهاك لحرمات الله.
«قالُوا: مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ، وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» ..
فهو واجب لله نؤديه: واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتخويف من انتهاك الحرمات، لنبلغ

[1] يراجع ما جاء في الجزء السابع من هذه الطبعة المنقحة في هذه الظلال عند تفسير قوله تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ» ص 1113- 1121
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1384
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست