responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 843
فيما يتطور فيها ويتحور بتغير الزمان والمكان وتضع لها الأحكام التفصيلية والقوانين الجزئية فيما لا يتطور ولا يتحور بتغير الزمان والمكان.. وكذلك كانت هذه الشريعة بمبادئها الكلية وبأحكامها التفصيلية محتوية كل ما تحتاج إليه حياة «الإنسان» منذ تلك الرسالة إلى آخر الزمان من ضوابط وتوجيهات وتشريعات وتنظيمات، لكي تستمر، وتنمو، وتتطور، وتتجدد حول هذا المحور وداخل هذا الإطار.. وقال الله- سبحانه- للذين آمنوا:
«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» ..
فأعلن لهم إكمال العقيدة، وإكمال الشريعة معاً.. فهذا هو الدين.. ولم يعد للمؤمن أن يتصور أن بهذا الدين- بمعناه هذا- نقصاً يستدعي الإكمال. ولا قصوراً يستدعي الإضافة. ولا محلية أو زمانية تستدعي التطوير أو التحوير.. وإلا فما هو بمؤمن وما هو بمقر بصدق الله وما هو بمرتض ما ارتضاه الله للمؤمنين! إن شريعة ذلك الزمان الذي نزل فيه القرآن، هي شريعة كل زمان، لأنها- بشهادة الله- شريعة الدين الذي جاء «للإنسان» في كل زمان وفي كل مكان لا لجماعة من بني الإنسان، في جيل من الأجيال، في مكان من الأمكنة، كما كانت تجيء الرسل والرسالات.
الأحكام التفصيلية جاءت لتبقى كما هي. والمبادئ الكلية جاءت لتكون هي الإطار الذي تنمو في داخله الحياة البشرية إلى آخر الزمان دون أن تخرج عليه، إلا أن تخرج من إطار الإيمان! والله الذي خلق «الإنسان» ويعلم من خلق هو الذي رضي له هذا الدين المحتوي على هذه الشريعة.
فلا يقول: إن شريعة الأمس ليست شريعة اليوم، إلا رجل يزعم لنفسه أنه أعلم من الله بحاجات الإنسان وبأطوار الإنسان! ويقف المؤمن ثانياً: أمام إتمام نعمة الله على المؤمنين، بإكمال هذا الدين وهي النعمة التامة الضخمة الهائلة.
النعمة التي تمثل مولد «الإنسان» في الحقيقة، كما تمثل نشأته واكتماله. «فالإنسان» لا وجود له قبل أن يعرف إلهه كما يعرفه هذا الدين له. وقبل أن يعرف الوجود الذي يعيش فيه كما يعرفه له هذا الدين. وقبل أن يعرف نفسه ودوره في هذا الوجود وكرامته على ربه، كما يعرف ذلك كله من دينه الذي رضيه له ربه.
و «الإنسان» لا وجود له قبل أن يتحرر من عبادة العبيد بعبادة الله وحده وقبل أن ينال المساواة الحقيقية بأن تكون شريعته من صنع الله وبسلطانه لا من صنع أحد ولا بسلطانه.
إن معرفة «الإنسان» بهذه الحقائق الكبرى كما صورها هذا الدين هي بدء مولد «الإنسان» .. إنه بدون هذه المعرفة على هذا المستوى يمكن أن يكون «حيواناً» أو أن يكون «مشروع إنسان» في طريقه إلى التكوين! ولكنه لا يكون «الإنسان» في أكمل صورة للإنسان، إلا بمعرفة هذه الحقائق الكبيرة كما صورها القرآن..
والمسافة بعيدة بعيدة بين هذه الصورة، وسائر الصور التي اصطنعها البشر في كل زمان! [1] وإن تحقيق هذه الصورة في الحياة الإنسانية، لهو الذي يحقق «للإنسان» «إنسانيته» كاملة.. يحققها له وهو يخرجه بالتصور الاعتقادي، في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، من دائرة الحس الحيواني الذي لا يدرك إلا المحسوسات، إلى دائرة «التصور» الإنساني، الذي يدرك المحسوسات وما وراء المحسوسات.

[1] تراجع المقدمة ص 11- ص 18 وكتاب: «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» . «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 843
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست