responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 842
على المسلمين في موقعة، أو في فترة، ولكنهم لا يغلبون على هذا الدين. فهو وحده الدين الذي بقي محفوظاً لا يناله الدثور، ولا يناله التحريف أيضاً على كثرة ما أراد أعداؤه أن يحرفوه وعلى شدة ما كادوا له، وعلى عمق جهالة أهله به في بعض العصور.. غير أن الله لا يخلي الأرض من عصبة مؤمنة تعرف هذا الدين وتناضل عنه، ويبقى فيها كاملاً مفهوماً محفوظاً حتى تسلمه الى من يليها. وصدق وعد الله في يأس الذين كفروا من هذا الدين! «فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ» ...
فما كان للذين كفروا أن ينالوا من هذا الدين في ذاته أبداً. وما كان لهم أن ينالوا من أهله إلا أن ينحرف أهله عنه فلا يكونوا هم الترجمة الحية له ولا ينهضوا بتكاليفه ومقتضياته ولا يحققوا في حياتهم نصوصه وأهدافه..
وهذا التوجيه من الله للجماعة المسلمة في المدينة، لا يقتصر على ذلك الجيل إنما هو خطاب عام للذين آمنوا في كل زمان وفي كل مكان.. نقول: للذين آمنوا.. الذين يرتضون ما رضيه الله لهم من هذا الدين، بمعناه الكامل الشامل الذين يتخذون هذا الدين كله منهجاً للحياة كلها.. وهؤلاء- وحدهم- هم المؤمنون..
«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» ..
اليوم.. الذي نزلت فيه هذه الآية في حجة الوداع.. أكمل الله هذا الدين. فما عادت فيه زيادة لمستزيد.
وأتم نعمته الكبرى على المؤمنين بهذا المنهج الكامل الشامل. ورضي لهم «الإسلام» ديناً فمن لا يرتضيه منهجاً لحياته- إذن- فإنما يرفض ما ارتضاه الله للمؤمنين.
ويقف المؤمن أمام هذه الكلمات الهائلة فلا يكاد ينتهي من استعراض ما تحمله في ثناياها من حقائق كبيرة، وتوجيهات عميقة، ومقتضيات وتكاليف..
إن المؤمن يقف أولاً: أمام إكمال هذا الدين يستعرض موكب الإيمان، وموكب الرسالات، وموكب الرسل، منذ فجر البشرية، ومنذ أول رسول- آدم عليه السلام- إلى هذه الرسالة الأخيرة. رسالة النبي الأمي إلى البشر أجمعين.. فماذا يرى؟ .. يرى هذا الموكب المتطاول المتواصل. موكب الهدى والنور. ويرى معالم الطريق، على طول الطريق. ولكنه يجد كل رسول- قبل خاتم النبيين- إنما أرسل لقومه. ويرى كل رسالة- قبل الرسالة الأخيرة- إنما جاءت لمرحلة من الزمان.. رسالة خاصة، لمجموعة خاصة، في بيئة خاصة.. ومن ثم كانت كل تلك الرسالات محكومة بظروفها هذه متكيفة بهذه الظروف.. كلها تدعو إلى إله واحد- فهذا هو التوحيد- وكلها تدعو إلى عبودية واحدة لهذا الإله الواحد- فهذا هو الدين- وكلها تدعو إلى التلقي عن هذا الإله الواحد والطاعة لهذا الإله الواحد- فهذا هو الإسلام- ولكن لكل منها شريعة للحياة الواقعية تناسب حالة الجماعة وحالة البيئة وحالة الزمان والظروف..
حتى إذا أراد الله أن يختم رسالاته إلى البشر أرسل إلى الناس كافة، رسولاً خاتم النبيين برسالة «للإنسان» لا لمجموعة من الأناسي في بيئة خاصة، في زمان خاص، في ظروف خاصة.. رسالة تخاطب «الإنسان» من وراء الظروف والبيئات والأزمنة لأنها تخاطب فطرة الإنسان التي لا تتبدل ولا تتحور ولا ينالها التغيير:
«فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» .. وفصل في هذه الرسالة شريعة تتناول حياة «الإنسان» من جميع أطرافها، وفي كل جوانب نشاطها وتضع لها المبادئ الكلية والقواعد الأساسية
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 842
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست