responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 693
وحين ينتهي السياق من تقرير هذه القاعدة الكلية، في شرط الإيمان وحد الإسلام، وفي النظام الأساسي للأمة المسلمة، وفي منهج تشريعها وأصوله.. يلتفت إلى الذين ينحرفون عن هذه القاعدة ثم يزعمون- بعد ذلك- أنهم مؤمنون! وهم ينقضون شرط الإيمان وحد الإسلام. إذ يريدون أن يتحاكموا إلى غير شريعة الله.. «إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» ..
يلتفت إليهم ليعجب من أمرهم ويستنكر.. وليحذرهم- وأمثالهم- من إرادة الشيطان بهم الضلال. ويصف حالهم حين يدعون إلى ما أنزل الله وإلى الرسول فيصدون. ويعتبر هذا الصدود نفاقاً. كما اعتبر إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت خروجاً من الإيمان- بل وعدم دخول فيه ابتداء- كما يصف معاذيرهم الواهية الكاذبة في اتباع هذه الخطة المستنكرة، حين تجر عليهم الوبال والنكال.. ومع هذا كله فهو يوجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى النصح لهم وموعظتهم.. ويختم المقطع كله ببيان ما أراده الله- سبحانه- من إرسال الرسل..
وهو أن يطاعوا.. ثم بنص صريح جازم في شرط الإيمان وحد الإسلام مرة أخرى..
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ. يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ- وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ- وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ، رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً. فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، ثُمَّ جاؤُكَ، يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً. أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ. فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، وَعِظْهُمْ، وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً. وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ. وَلَوْ أَنَّهُمْ- إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ- جاؤُكَ، فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ، لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً.. فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ. ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» ..
إن هذا التصوير لهذه المجموعة التي تصفها النصوص، يوحي بأن هذا كان في أوائل العهد بالهجرة. يوم كان للنفاق صولة وكان لليهود- الذين يتبادلون التعاون مع المنافقين- قوة..
وهؤلاء الذين يريدون أن يتحاكموا إلى غير شريعة الله- إلى الطاغوت- قد يكونون جماعة من المنافقين- كما صرح بوصفهم في الآية الثانية من هذه المجموعة- وقد يكونون جماعة من اليهود الذين كانوا يُدعَوْن- حين تجدّ لهم أقضية مع بعضهم البعض أو أهل المدينة- إلى التحاكم إلى كتاب الله فيها.. التوراة أحياناً، وإلى حكم الرسول أحيانا- كما وقع في بعض الأقضية- فيرفضون ويتحاكمون إلى العرف الجاهلي الذي كان سائداً..
ولكننا نرجح الفرض الأول لقوله فيهم: «يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ» .. واليهود لم يكونوا يسلمون أو يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إلى الرسول. إنما كان المنافقون هم الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليه وما أنزل من قبله (كما هو مقتضى العقيدة الإسلامية من الإيمان بالرسل كلهم) .
وهذا لم يكن يقع إلا في السنوات الأولى للهجرة. قبل أن تخضد شوكة اليهود في بني قريظة وفي خيبر. وقبل أن يتضاءل شأن المنافقين بانتهاء شأن اليهود في المدينة! على أية حال نحن نجد في هذه المجموعة من الآيات، تحديداً كاملاً دقيقاً حاسماً لشرط الإيمان وحد الإسلام، ونجد شهادة من الله بعدم إيمان الذين «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ» «وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» كما نجد قسماً من الله سبحانه- بذاته العلية- أنهم لا يدخلون في الإيمان ولا يحسبون مؤمنين حتى يحكموا الرسول- صلى الله عليه وسلم- في أقضيتهم. ثم يطيعوا حكمه، وينفذوا قضاءه. طاعة الرضى، وتنفيذ الارتياح القلبي الذي هو التسليم، لا عجزاً واضطراراً. ولكن طمأنينة وارتضاء..
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 693
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست