responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 1131
هذا الإيقاع القوي بحقيقة الألوهية وخصائصها وباستنكار الشرك والعودة إليه بعد الهدى وبمشهد الذي يرجع القهقرى مرتداً عن دين الله وحيرته في التيه بلا اتجاه وبتقرير أن هدى الله وحده هو الهدى.. هذا الإيقاع يختم برنة عالية عميقة مدوية. عن سلطان الله المطلق، في الأمر والخلق وعن انكشاف هذا السلطان وتفرده بالظهور- حتى للمنكرين المطموسين- «يوم ينفخ في الصور» ويبعث من في القبور ويستيقن من لم يكن يستيقن أن الملك لله وحده، وأن إليه المصير:
«قُلْ: أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا، وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ، كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ، حَيْرانَ، لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى. ائْتِنا. قُلْ: إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى، وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ. وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ» ..
«قُلْ» .. الإيقاع القوي المتكرر في السورة الذي يوحي بأن هذا الأمر لله وحده، وأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- إنما هو منذر ومبلغ والذي يوحي بجلال هذا الأمر وعلويته ورهبته وأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- إنما هو مأمور به من ربه.
«قُلْ: أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا؟» ..
قل لهم يا محمد ما هم عليه من دعوة غير الله والاستعانة به وإسلام مقادهم لهؤلاء الذين يدعونهم من دونه، وهم لا يملكون نفعاً ولا ضراً. سواء كان ما يدعونه وثناً أو صنماً، حجراً أو شجراً، روحاً أم ملكاً، شيطاناً أم إنساناً.. فكلهم سواء في أنهم لا ينفعون شيئاً ولا يضرون. فهم أعجز من النفع والضر. وكل حركة إنما تجري بقدر من الله. فما لم يأذن به الله لا يكون، ولا يكون إلا قدره وما جرى به قضاؤه من الأمور..
قل لهم مستنكراً دعوة غير الله، وعبادة غير الله، والاستعانة بغير الله، والخضوع لغير الله. وسخف هذا التصرف وهذا الاتجاه.. وسواء كان ذلك رداً على ما كان يقترحه المشركون على النبي- صلى الله عليه وسلم- من مشاركتهم عبادة آلهتهم ليشاركوه عبادة ربه! أو كان ذلك استنكاراً مبتدأ لما عليه المشركون، وإعلاناً للمفارقة والمفاصلة فيه من جانب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.. فإن المؤدى في النهاية واحد وهو استنكار هذا السخف الذي يرفضه العقل البشري ذاته متى عرض له في النور بعيداً عن الموروثات الراسبة، وبعيداً كذلك عن العرف السائد في البيئة! ولتجسيم السخف وتضخيم الاستنكار يعرض هذه المعتقدات في ضوء ما هدى الله المسلمين إليه من عبادته وحده، واتخاذه وحده إلهاً، والدينونة له وحده بلا شريك:
«قُلْ: أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا؟» ..
فهو ارتداد على الأعقاب ورجوع إلى الوراء بعد التقدم والارتقاء..
ثم هذا المشهد الشاخص المتحرك الموحي المثير:
«كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ.. حَيْرانَ.. لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى: ائْتِنا» ..
إنه مشهد حي شاخص متحرك للضلالة والحيرة التي تنتاب من يشرك بعد التوحيد، ومن يتوزع قلبه بين الإله الواحد، والآلهة المتعددة من العبيد! ويتفرق إحساسه بين الهدى والضلال، فيذهب في التيه.. إنه مشهد ذلك المخلوق التعيس: «كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ» - ولفظ الاستهواء لفظ مصور بذاته لمدلوله- ويا ليته يتبع هذا الاستهواء في اتجاهه، فيكون له اتجاه صاحب القصد الموحد- ولو في طريق الضلال! -
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 1131
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست