responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 1067
وإمعاناً في صرف الناس عن الاستماع لهذا القرآن، وتثبيت هذه الفرية.. فرية أن هذا القرآن إن هو إلا أساطير الأولين.. كان مالك بن النضر، وهو يحفظ أساطير فارسية عن رستم واسفنديار من أبطال الفرس الأسطوريين، يجلس مجلسا قريبا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يتلو القرآن. فيقول للناس:
إن كان محمد يقص عليكم أساطير الأولين، فعندي أحسن منها! ثم يروح يقص عليهم مما عنده من الأساطير، ليصرفهم عن الاستماع إلى القرآن الكريم! ولقد كانوا كذلك ينهون الناس عن الاستماع إليه- وهم كبراؤهم- وينأون هم عن الاستماع خشية التأثر والاستجابة:
«وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ، وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ، وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ» ..
لقد كانوا على يقين من أنه ليس أساطير الأولين. وأن مواجهته بأساطير الأولين لا تجدي لو ترك الناس يسمعون! وكان كبراء قريش يخافون على أنفسهم من تأثير هذا القرآن فيها كما يخافون على أتباعهم. فلم يكن يكفي إذن في المعركة بين الحق النفاذ بسلطانه القوي، والباطل الواهن المتداعي، أن يجلس النضر بن الحارث يروي للناس أساطير الأولين! ومن ثم كانوا ينهون أتباعهم أن يستمعوا لهذا القرآن كما كانوا هم أنفسهم ينأون بأنفسهم- خوفاً عليها أن تتأثر وتستجيب- وحكاية الأخنس بن شريق، وأبي سفيان بن حرب، وعمرو بن هشام وهم يقاومون جاذبية القرآن التي تشدهم شداً إلى التسمع في خفية لهذا القرآن حكاية مشهورة في السيرة [1] .
وهذا الجهد كله الذي كانوا يبذلونه ليمنعوا أنفسهم ويمنعوا غيرهم من الاستماع لهذا القرآن ومن التأثر به والاستجابة له.. هذا الجهد كله إنما كانوا يبذلونه في الحقيقة لإهلاك أنفسهم- كما يقرر الله- سبحانه-:
«وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ» ! وهل يهلك إلا نفسه من يجاهد نفسه ويجاهد غيره دون الهدى والصلاح والنجاة، في الدنيا والآخرة؟
إنهم مساكين أولئك الذين يجعلون همهم كله في الحيلولة بين أنفسهم والناس معهم وبين هدى الله! مساكين! ولو تبدوا في ثياب الجبابرة وزي الطواغيت! مساكين فهم لا يهلكون إلا أنفسهم في الدنيا والآخرة. وإن بدا لهم حيناً من الدهر وبدا للمخدوعين بالزبد أنهم رابحون مفلحون.
ومن شاء أن يرى فلينظر في الصفحة الأخرى المواجهة لهذه الصفحة الأولى:
«وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا: يا لَيْتَنا نُرَدُّ، وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا، وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» ! إنه المشهد المقابل لمشهدهم في الدنيا.. مشهد الاستخذاء والندامة والخزي والحسرة. في مقابل مشهد الإعراض والجدال والنهي والنأي والادعاء العريض! «وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ» ..
لو ترى ذلك المشهد! لو تراهم وقد حبسوا على النار لا يملكون الإعراض والتولي! ولا يملكون الجدل والمغالطة! لو ترى لرأيت ما يهول! ولرأيتهم يقولون:

[1] الجزء الأول من السيرة لابن هشام.. ومذكورة في الجزء السادس من الظلال ص 822
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 1067
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست