responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 1066
ويقول: «وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» ..
فشأن الله- سبحانه- أن يهدي من يجاهد ليبلغ الهدى وأن يفلح من يزكي نفسه ويطهرها.. فأما هؤلاء فلم يتجهوا إلى الهدى ليهديهم الله ولم يحاولوا أن يستخدموا أجهزة الاستقبال الفطرية في كيانهم، فييسر الله لهم الاستجابة.. هؤلاء عطلوا أجهزتهم الفطرية ابتداء فجعل الله بينهم وبين الهدى حجاباً وجرى قضاؤه فيهم بهذا الذي جرى جزاء على فعلهم الأول ونيتهم الأولى.. وكل شيء إنما يكون بأمر الله. ومن أمر الله أن يهدي من يجاهد، وأن يفلح من يتزكى. ومن أمر الله أن يجعل على قلوب المعرضين أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها.. والذين يحيلون ضلالهم وشركهم وخطاياهم على إرادة الله بهم، وعلى قضائه فيهم، إنما يغالطون في هذه الإحالة. والله سبحانه يجبههم بالحق، وهو يحكي أقوالهم في هذا الشأن ويسفهها: «وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا، وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ. كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ؟ وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ، فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ، فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ» .. فدل هذا على إنكار الله عليهم قولهم وعلى أن الضلالة إنما حقت عليهم- بعد النذارة- بفعلهم..
والذين أثاروا قضايا القضاء والقدر، والجبر والاختيار، وإرادة العبد وكسبه.. ليجعلوا منها مباحث لاهوتية، تخضع لما تتصوره عقولهم من فروض وتقديرات، إنما يجانبون منهج القرآن في عرض هذه القضية في صورتها الواقعية التقريرية البسيطة التي تقرر أن كل شيء إنما يكون بقدر من الله وأن اتجاه الإنسان على هذا النحو أو ذاك داخل في حدود فطرته التي خلقه الله عليها، والتي جرى بها قدر الله فكانت على ما كانت عليه وأن اتجاهه على هذا النحو أو ذاك تترتب عليه نتائج وآثار في الدنيا والآخرة يجري بها قدر الله أيضاً، فتكون.. وبهذا يكون مرجع الأمر كله إلى قدر الله.. ولكن على النحو الذي يرتب على إرادة الإنسان الموهوبة له ما يوقعه قدر الله به.. وليس وراء هذا التقرير إلا الجدل الذي ينتهي إلى المراء! والمشركون كانت معروضة عليهم أمارات الهدى ودلائل الحق وموحيات الإيمان، في هذا القرآن، الذي يلفتهم إلى آيات الله في الأنفس والآفاق وهي وحدها كانت كفيلة- لو اتجهت إليها قلوبهم- أن توقع على أوتار هذه القلوب، وأن تهز فيها المدارك الغافية فتوقظها وتحييها، لتتلقى وتستجيب.. إلا أنهم هم لم يجاهدوا ليهتدوا بل عطلوا فطرتهم وحوافزها فجعل الله بينهم وبين موحيات الهدى حجابا وصاروا حين يجيئون إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- لا يجيئون مفتوحي الأعين والآذان والقلوب ليتدبروا ما يقوله لهم تدبر الباحث عن الحق ولكن ليجادلوا ويتلمسوا أسباب الرد والتكذيب:
«حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ..
والأساطير جمع أسطورة. وكانوا يطلقونها على الحكايات التي تتضمن الخوارق المتعلقة بالألهة والأبطال في قصص الوثنيات. وأقربها إليهم كانت الوثنية الفارسية وأساطيرها.
وهم كانوا يعلمون جيداً أن هذا القرآن ليس بأساطير الأولين. ولكنهم إنما كانوا يجادلون ويبحثون عن أسباب الرد والتكذيب ويتلمسون أوجه الشبهات البعيدة.. وكانوا يجدون فيما يتلى عليهم من القرآن قصصاً عن الرسل وأقوامهم وعن مصارع الغابرين من المكذبين. فمن باب التمحل والتماس أوهى الأسباب، قالوا عن هذا القصص وعن القرآن كله: «إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» !
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 2  صفحه : 1066
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست