responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 28
يعيش معها القلب كما لو كان يعيش مع روح حي مميز الملامح والسمات والأنفاس! ولها موضوع رئيسي أو عدة موضوعات رئيسية مشدودة إلى محور خاص. ولها جو خاص يظلل موضوعاتها كلها ويجعل سياقها يتناول هذه الموضوعات من جوانب معينة، تحقق التناسق بينها وفق هذا الجو. ولها إيقاع موسيقي خاص- إذا تغير في ثنايا السياق فإنما يتغير لمناسبة موضوعية خاصة [1] .. وهذا طابع عام في سور القرآن جميعا.
ولا يشذ عن هذه القاعدة طوال السور كهذه السورة.
هذه السورة تضم عدة موضوعات. ولكن المحور الذي يجمعها كلها محور واحد مزدوج يترابط الخطان الرئيسيان فيه ترابطا شديدا.. فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة، واستقبالهم لها، ومواجهتهم لرسولها- صلى الله عليه وسلم- وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها ...
وسائر ما يتعلق بهذا الموقف بما فيه تلك العلاقة القوية بين اليهود والمنافقين من جهة، وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى.. وهي من الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض، بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها، ونقضهم لعهد الله بخصوصها، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم- عليه السلام- صاحب الحنيفية الأولى، وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم..
وكل موضوعات السورة تدور حول هذا المحور المزدوج بخطيه الرئيسيين، كما سيجيء في استعراضها التفصيلي.
ولكي يتضح مدى الارتباط بين محور السورة وموضوعاتها من جهة، وبين خط سير الدعوة أول العهد بالمدينة، وحياة الجماعة المسلمة وملابساتها من الجهة الأخرى.. يحسن أن نلقي ضوءا على مجمل هذه الملابسات التي نزلت آيات السورة لمواجهتها ابتداء. مع التنبيه الدائم إلى أن هذه الملابسات في عمومها هي الملابسات التي ظلت الدعوة الإسلامية وأصحابها يواجهونها- مع اختلاف يسير- على مر العصور وكر الدهور من أعدائها وأوليائها على السواء. مما يجعل هذه التوجيهات القرآنية هي دستور هذه الدعوة الخالد ويبث في هذه النصوص حياة تتجدد لمواجهة كل عصر وكل طور ويرفعها معالم للطريق أمام الأمة المسلمة تهتدي بها في طريقها الطويل الشاق، بين العداوات المتعددة المظاهر المتوحدة الطبيعة.. وهذا هو الإعجاز يتبدى جانب من جوانبه في هذه السمة الثابتة المميزة في كل نص قرآني.
لقد تمت هجرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة بعد تمهيد ثابت وإعداد محكم. تمت تحت تأثير ظروف حتمت هذه الهجرة وجعلتها إجراء ضروريا لسير هذه الدعوة في الخط المرسوم الذي قدره الله لها بتدبيره.. كان موقف قريش العنيد من الدعوة في مكة- وبخاصة بعد وفاة خديجة- رضي الله عنها- وموت أبي طالب كافل النبي وحاميه.. كان هذا الموقف قد انتهى إلى تجميد الدعوة تقريبا في مكة وما حولها. ومع استمرار دخول أفراد في الإسلام على الرغم من جميع الاضطهادات والتدبيرات فإن الدعوة كانت تعتبر قد تجمدت فعلا في مكة وما حولها، بموقف قريش منها، وتحالفهم على حربها بشتى الوسائل، مما جعل بقية العرب تقف موقف التحرز والانتظار، في ارتقاب نتيجة المعركة بين الرسول وعشيرته الأقربين، وعلى رأسهم أبو لهب وعمرو بن هشام وأبو سفيان بن حرب وغير هم ممن يمتون بصلة القرابة القوية لصاحب الدعوة. وما كان هناك ما يشجع العرب في بيئة قبلية لعلاقات القرابة عندها وزن كبير، على الدخول في عقيدة

[1] يراجع فصل: «التناسق الفني في كتاب «التصوير الفني في القرآن» - «دار الشروق»
نام کتاب : في ظلال القران نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 28
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست