responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 77
أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، فَقِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً مَثَّلَ سُبْحَانَهُ الْغِيبِةَ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَعْلَمُ بِأَكْلِ لَحْمِهِ، كَمَا أَنَّ الْحَيَّ لَا يَعْلَمُ بِغِيبَةِ مَنِ اغْتَابَهُ. ذَكَرَ مَعْنَاهُ الزَّجَّاجُ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عِرْضَ الْإِنْسَانِ كَلَحْمِهِ، وَأَنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ أَكْلُ لَحْمِهِ يَحْرُمُ الِاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِهِ [1] ، وَفِي هَذَا مِنَ التَّنْفِيرِ عَنِ الْغِيبَةِ وَالتَّوْبِيخِ لها وَالتَّوْبِيخِ لِفَاعِلِهَا وَالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى، فَإِنَّ لَحْمَ الْإِنْسَانِ مِمَّا تَنْفِرُ عَنْ أَكْلِهِ الطِّبَاعُ الْإِنْسَانِيَّةُ، وَتَسْتَكْرِهُهُ الْجِبِلَّةُ الْبَشَرِيَّةُ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا شَرْعًا فَكَرِهْتُمُوهُ قَالَ الْفَرَّاءُ: تَقْدِيرُهُ فَقَدْ كَرِهْتُمُوهُ فَلَا تَفْعَلُوا، وَالْمَعْنَى: فَكَمَا كَرِهْتُمْ هَذَا فَاجْتَنِبُوا ذِكْرَهُ بِالسُّوءِ غَائِبًا. قَالَ الرَّازِيُّ: الْفَاءُ فِي تَقْدِيرِ جَوَابِ كَلَامٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ فكرهتموه إذا. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ:
عُرِضَ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ بِتَرْكِ مَا أَمَرَكُمْ بِاجْتِنَابِهِ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ لمن اتقاه وتاب عَمَّا فَرَطَ مِنْهُ مِنَ الذَّنْبِ وَمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغير هما عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ وَرَكِبَ حِمَارًا، وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ [2] ، فَلَمَّا انْطَلَقَ إِلَيْهِ قَالَ: إليك عني، فو الله لَقَدْ آذَانِي رِيحُ حِمَارِكَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: وَاللَّهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ، فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَغَضِبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ [3] وَالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الْآيَةَ» . وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا وَجَدْتُ فِي نَفْسِي مِنْ شَيْءٍ مَا وَجَدْتُ فِي نَفْسِي مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، إِنِّي لَمْ أُقَاتِلْ هَذِهِ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ كَمَا أَمَرَنِي اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ إِذَا اقْتَتَلَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ وَيُنْصِفَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا أَجَابُوا حَكَمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ حَتَّى يُنْصِفَ الْمَظْلُومَ، فَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ أَنْ يُجِيبَ فَهُوَ بَاغٍ، وَحَقَّ عَلَى إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَيُقِرُّوا بِحُكْمِ اللَّهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الْآيَةَ. قَالَ: كَانَ قِتَالٌ بِالنِّعَالِ وَالْعِصِيِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصْلِحُوا بَيْنَهُمَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَغِبَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلٍ فِي قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ بني تميم استهزءوا مِنْ بِلَالٍ وَسَلْمَانَ وَعَمَّارٍ وَخَبَّابٍ وَصُهَيْبٍ وَابْنِ فُهَيْرَةَ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ

[1] «الاستطالة في العرض» : أي استحقاره والترفع عليه والوقيعة فيه.
[2] «أرض سبخة» : أي لا تنبت.
[3] «الجريد» : سعف النخل، أي أغصانه.
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 77
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست