responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 576
لَيْلَةٍ كَانَتْ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَلْفِ شَهْرٍ جَمِيعَ الدَّهْرِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَذْكُرُ الْأَلْفَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ. وَقِيلَ: وَجْهُ ذِكْرِ الْأَلْفِ الشَّهْرِ:
أَنَّ الْعَابِدَ كَانَ فِيمَا مَضَى لَا يُسَمَّى عَابِدًا حَتَّى يَعْبُدَ اللَّهَ أَلْفَ شَهْرٍ، وَذَلِكَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَجَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ عِبَادَةَ لَيْلَةٍ خَيْرًا مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِ شَهْرٍ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا. وَقِيلَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَعْمَارَ أُمَّتِهِ قَصِيرَةً، فَخَافَ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ مِثْلَ مَا بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمُرِ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَجَعَلَهَا خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لِسَائِرِ الْأُمَمِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَجُمْلَةُ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِوَجْهِ فَضْلِهَا، مُوَضِّحَةٌ لِلْعِلَّةِ الَّتِي صَارَتْ بِهَا خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَقَوْلُهُ:
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ يَتَعَلَّقُ بِتَنَزَّلُ أَوْ بمحذوف هو حال، أي: متلبسين بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، وَالْإِذْنُ: الْأَمْرُ، وَمَعْنَى «تَنَزَّلُ» : تَهْبِطُ مِنَ السَّمَاوَاتِ إِلَى الْأَرْضِ. وَالرُّوحُ: هُوَ جِبْرِيلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ، أَيْ: تَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ وَمَعَهُمْ جِبْرِيلُ. وَوَجْهُ ذِكْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الْمَلَائِكَةِ التَّعْظِيمُ لَهُ وَالتَّشْرِيفُ لِشَأْنِهِ. وَقِيلَ: الرُّوحُ صِنْفٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ هُمْ أَشْرَافُهُمْ، وَقِيلَ: هُمْ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: الرُّوحُ: الرَّحْمَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الرُّوحِ عِنْدَ قَوْلِهِ: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا [1] قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «تَنَزَّلُ» بِفَتْحِ التَّاءِ، وَقَرَأَ طَلْحَةُ بن مصرّف وابن السّميقع بِضَمِّهَا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَقَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ أَيْ: مِنْ أَجْلِ كُلِّ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي قَضَى اللَّهُ بِهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ «مِنْ» بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ: لِكُلِّ أَمْرٍ، وَقِيلَ:
هِيَ بِمَعْنَى الْبَاءِ، أَيْ: بِكُلِّ أَمْرٍ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «أَمْرٍ» وَهُوَ وَاحِدُ الْأُمُورِ، وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَالْكَلْبِيُّ «امْرِئٍ» مُذَكَّرُ امْرَأَةٍ، أَيْ: مِنْ أَجْلِ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَتَأَوَّلَهَا الْكَلْبِيُّ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ مع الملائكة فيسلّمون على كلّ إنسان، فمن عَلَى هَذَا بِمَعْنَى عَلَى، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقَدْ تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: سَلامٌ هِيَ أَيْ: مَا هِيَ إِلَّا سَلَامَةٌ وَخَيْرٌ كُلُّهَا لَا شَرَّ فِيهَا، وَقِيلَ: هِيَ ذَاتُ سَلَامَةٍ مِنْ أَنْ يؤثر فيها شيطان من مُؤْمِنٍ أَوْ مُؤْمِنَةٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ لَيْلَةٌ سَالِمَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا سُوءًا وَلَا أَذًى. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ تَسْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَسَاجِدِ مِنْ حِينِ تَغِيبُ الشَّمْسُ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ يَمُرُّونَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَيَقُولُونَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ، وَقِيلَ: يَعْنِي سَلَامَ الْمَلَائِكَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.
قَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ سَلَامٌ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ أَيْ حَتَّى وَقْتِ طُلُوعِهِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «مَطْلَعِ» بِفَتْحِ اللَّامِ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ بِكَسْرِهَا، فَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ فِي الْمَصْدَرِ، وَالْفَتْحُ أَكْثَرُ نَحْوَ: الْمَخْرَجِ وَالْمَقْتَلِ، وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ اسْمُ مَكَانٍ، وَبِالْكَسْرِ الْمَصْدَرُ، وقيل: العكس، و «حتى» متعلّقة بتنزل عَلَى أَنَّهَا غَايَةٌ لِحُكْمِ التَّنَزُّلِ، أَيْ: لِمُكْثِهِمْ فِي مَحَلِّ تَنَزُّلِهِمْ بِأَنْ لَا يَنْقَطِعَ تَنَزُّلُهُمْ فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقِيلَ: متعلقة بسلام بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ بِالْمُبْتَدَأِ مُغْتَفَرٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وصحّحه، وابن مردويه، والبيهقي

[1] النبأ: 38.
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 576
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست