responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 59
قَالَ النَّحَّاسُ: وَحَكَى أَهْلُ اللُّغَةِ أَحْرَضَهُ الْهَمُّ إِذَا أَسْقَمَهُ، وَرَجُلٌ حَارِضٌ: أَيْ أَحْمَقٌ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ:
الْحَارِضُ الذَّاهِبُ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: هُوَ الْهَالِكُ. وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الْحَرَضِ هُنَا بِغَيْرِ الْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ حَتَّى يَكُونَ لِقَوْلِهِ: أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ مَعْنًى غَيْرُ مَعْنَى الْحَرَضِ، فَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ، وَمَعْنَى مِنَ الْهَالِكِينَ: مِنَ الْمَيِّتِينَ وَغَرَضُهُمْ مَنْعُ يَعْقُوبَ مِنَ الْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ شَفَقَةً عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا هم سبب أحزانه ومنشأ همومه وغمومه الَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَا قَالَ يَعْقُوبُ لَمَّا قَالُوا لَهُ مَا قَالُوا؟ وَالْبَثُّ: مَا يَرِدُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَعْظُمُ حُزْنُ صَاحِبِهَا بِهَا حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَى إِخْفَائِهَا، كَذَا قال أهل اللغة، وهو مأخوذ من بثثته: أي فرّقته، فَسُمِّيَتِ الْمُصِيبَةُ بَثًّا مَجَازًا. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وقفت على ربع لميّة ناقتي ... فَمَا زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وَأُخَاطِبُهْ
وَأَسْقِيهِ حَتَّى كَادَ مِمَّا أَبُثُّهُ [1] ... تُكَلِّمُنِي أَحْجَارُهُ وَمَلَاعِبُهْ
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَدَرَ عَلَى كَتْمِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنَ الْمَصَائِبِ كَانَ ذَلِكَ حُزْنًا، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى كَتْمِهِ كَانَ ذَلِكَ بَثًّا، فَالْبَثُّ عَلَى هَذَا: أَعْظَمُ الْحُزْنِ وَأَصْعَبُهُ وَقِيلَ: الْبَثُّ: الْهَمُّ وَقِيلَ: هُوَ الْحَاجَةُ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ عَطْفُ الْحُزْنِ عَلَى الْبَثِّ وَاضِحُ الْمَعْنَى. وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِ الْبَثِّ بِالْحُزْنِ الْعَظِيمِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا أَشْكُو حُزْنِي الْعَظِيمَ وَمَا دُونَهُ مِنَ الْحُزْنِ إِلَى اللَّهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ. وَقَدْ قرئ «حزني» بضم الحاء وسكون الزاي «وحزني» بفتحهما أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
أَيْ أَعْلَمُ مِنْ لُطْفِهِ وَإِحْسَانِهِ وَثَوَابِهِ عَلَى الْمُصِيبَةِ مَا لَا تَعْلَمُونَهُ أَنْتُمْ وَقِيلَ: أَرَادَ عِلْمَهُ بِأَنَّ يُوسُفَ حَيٌّ وَقِيلَ: أَرَادَ عِلْمَهُ بِأَنَّ رُؤْيَاهُ صَادِقَةٌ وَقِيلَ: أَعْلَمُ مِنْ إِجَابَةِ الْمُضْطَرِّينَ إِلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ التَّحَسُّسُ بِمُهْمَلَاتٍ: طَلَبُ الشَّيْءِ بِالْحَوَاسِّ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِسِّ، أَوْ مِنَ الْإِحْسَاسِ، أَيِ: اذْهَبُوا فَتَعَرَّفُوا خَبَرَ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وتطلبوه، وقرئ بِالْجِيمِ، وَهُوَ أَيْضًا التَّطَلُّبُ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أَيْ: لَا تَقْنَطُوا مِنْ فَرَجِهِ وَتَنْفِيسِهِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الرَّوْحُ مَا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَسِيمِ الْهَوَاءِ فَيَسْكُنُ إِلَيْهِ، وَالتَّرْكِيبُ يَدُلُّ عَلَى الْحَرَكَةِ وَالْهِزَّةِ، فَكُلُّ مَا يَهْتَزُّ الْإِنْسَانُ بِوُجُودِهِ وَيَلْتَذُّ بِهِ فَهُوَ رَوْحٌ. وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ:
الرَّوْحُ الِاسْتِرَاحَةُ من غمّ القلب. وقال أبو عمرو: الروح: الفرج، وقيل: الرحمة إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ لِكَوْنِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَعَظِيمِ صُنْعِهِ، وَخَفِيِّ أَلْطَافِهِ. قَوْلُهُ:
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ أَيْ عَلَى يُوسُفَ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَذَهَبُوا كَمَا أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ إِلَى مِصْرَ لِيَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ أَيِ الْمَلِكُ الْمُمْتَنِعُ الْقَادِرُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ أَيِ الْجُوعُ وَالْحَاجَةُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَجُوزُ الشَّكْوَى عِنْدَ الضَّرُورَةِ إِذَا خَافَ مِنْ إِصَابَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا يَجُوزُ لِلْعَلِيلِ أَنْ يَشْكُوَ إِلَى الطَّبِيبِ مَا يَجِدُهُ مِنَ الْعِلَّةِ، وَهَذِهِ الْمَرَّةُ الَّتِي دَخَلُوا فِيهَا مِصْرَ

[1] أبثّه: بضم الهمزة وكسر الباء أفصح من أبثّه بفتح الهمزة وضم الباء (ديوان ذي الرمة 2/ 821) .
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 59
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست