responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 580
وَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ هُوَ عَذَابُهُمْ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، أَوْ بِالْجُوعِ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم عليهم حَيْثُ قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» . وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعَذَابِ عَذَابُ الْآخِرَةِ، وَرَجَّحَ هَذَا بِأَنَّ مَا يَقَعُ مِنْهُمْ مَنِ الْجُؤَارِ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَذَابِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ الِاسْتِغَاثَةُ بِاللَّهِ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ وَلَا فِي سِنِي الْجُوعِ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْجُؤَارَ فِي اللُّغَةِ الصُّرَاخُ وَالصِّيَاحُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْجُؤَارُ مِثْلُ الْخُوَارِ، يُقَالُ: جَأَرَ الثَّوْرُ يَجْأَرُ أَيْ صَاحَ، وَقَدْ وقع منهم ومن أهلهم وأولادهم عند ما عُذِّبُوا بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَبِالْجُوعِ فِي سِنِي الجوع، وليس الجؤار هاهنا مقيد بِالْجُؤَارِ الَّذِي هُوَ التَّضَرُّعُ بِالدُّعَاءِ حَتَّى يَتِمَّ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ، وَجُمْلَةُ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَإِذَا هِيَ الْفُجَائِيَّةُ، وَالْمَعْنَى: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب فاجؤوا بِالصُّرَاخِ، ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ حِينَئِذٍ عَلَى جِهَةِ التَّبْكِيتِ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ فَالْقَوْلُ مُضْمَرٌ، وَالْجُمْلَةُ مَسُوقَةٌ لِتَبْكِيتِهِمْ وِإِقْنَاطِهِمْ وَقَطْعِ أَطْمَاعِهِمْ وَخَصَّصَ سُبْحَانَهُ الْمُتْرَفِينَ مَعَ أَنَّ الْعَذَابَ لا حق بِهِمْ جَمِيعًا، وَاقِعٌ عَلَى مُتْرَفِيهِمْ وَغَيْرِ مُتْرَفِيهِمْ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ بَعْدَ النِّعْمَةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا صَارُوا عَلَى حَالَةِ تُخَالِفُهَا وَتُبَايِنُهَا، فَانْتَقَلُوا مِنَ النَّعِيمِ التَّامِّ إِلَى الشَّقَاءِ الْخَالِصِ، وَخُصَّ الْيَوْمُ بِالذِّكْرِ لِلتَّهْوِيلِ، وَجُمْلَةُ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ تعليل للنهي على الجوار، وَالْمَعْنَى: إِنَّكُمْ مِنْ عَذَابِنَا لَا تُمْنَعُونَ وَلَا يَنْفَعُكُمْ جَزَعُكُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى:
إِنَّكُمْ لَا يَلْحَقُكُمْ مِنْ جِهَتِنَا نُصْرَةٌ تَمْنَعُكُمْ مِمَّا دَهَمَكُمْ مِنَ الْعَذَابِ. ثُمَّ عَدَّدَ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ قَبَائِحَهُمْ تَوْبِيخًا لَهُمْ فَقَالَ: قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ أَيْ: فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ آيَاتُ الْقُرْآنِ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ أَيْ: تَرْجِعُونَ وَرَاءَكُمْ، وَأَصْلُ النُّكُوصِ أَنْ يَرْجِعَ الْقَهْقَرَى، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
زعموا بأنّهم على سبل النّجا ... ة وإنّما نكص على الأعقاب
وهو هنا استعار لِلْإِعْرَاضِ عَنِ الْحَقِّ، وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ «عَلَى أَدْبَارِكُمْ» بَدَلَ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ بِضَمِّ الْكَافِ، وَعَلَى أَعْقَابِكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِتَنْكِصُونَ، أَوْ مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ حَالًا مِنْ فَاعِلِ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ الضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَقِيلَ: لِلْحَرَمِ، وَالَّذِي سَوَّغَ الْإِضْمَارَ قَبْلَ الذِّكْرِ اشْتِهَارُهُمْ بِالِاسْتِكْبَارِ بِهِ وَافْتِخَارُهُمْ بِوِلَايَتِهِ وَالْقِيَامِ بِهِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: لَا يَظْهَرُ عَلَيْنَا أَحَدٌ لِأَنَّا أَهْلُ الْحَرَمِ وَخُدَّامُهُ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ سَمَاعَهُ يُحْدِثُ لَهُمْ كِبْرًا وَطُغْيَانًا فَلَا يُؤْمِنُونَ بِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا قَوْلٌ جَيِّدٌ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَبَيَّنَهُ بِمَا ذَكَرْنَا. فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ بِهِ مُتَعَلِّقَا بِمُسْتَكْبِرِينَ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِ سامِراً لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ حَوْلَ الْبَيْتِ بِاللَّيْلِ يَسْمُرُونَ، وَكَانَ عَامَّةُ سَمَرِهِمْ ذِكْرَ الْقُرْآنِ وَالطَّعْنَ فِيهِ، وَالسَّامِرُ كَالْحَاضِرِ فِي الْإِطْلَاقِ عَلَى الْجَمْعِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: السَّامِرُ: الْجَمَاعَةُ يَسْمُرُونَ بِاللَّيْلِ، أَيْ: يَتَحَدَّثُونَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ بِقَوْلِهِ: تَهْجُرُونَ وَالْهَجْرُ بِالْفَتْحِ الْهَذَيَانُ، أَيْ: تَهْذُونَ فِي شَأْنِ الْقُرْآنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْهُجْرِ بِالضَّمِّ، وَهُوَ الْفُحْشُ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو حَيْوَةَ «سُمَّرًا» بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً، وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو رَجَاءٍ «سَمَارًا» وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَانْتِصَابُ سَامِرًا عَلَى الْحَالِ إِمَّا مِنْ فَاعِلِ تَنْكِصُونَ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي مُسْتَكْبِرِينَ، وَقِيلَ هُوَ مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى لَفْظِ الْفَاعِلِ،

نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 580
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست