responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 479
عَلَيْهِمْ، حَيْثُ لَمْ يُؤْمِنُوا مَعَ وُجُودِ مَا يَقْتَضِيهِ مِنَ الْآيَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ. وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَيْ:
جِبَالًا ثَوَابِتَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ الْمَيْدُ: التَّحَرُّكُ وَالدَّوَرَانُ، أَيْ: لِئَلَّا تَتَحَرَّكَ وَتَدُورَ بِهِمْ، أَوْ كَرَاهَةِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي النَّحْلِ مُسْتَوْفًى. وَجَعَلْنا فِيها أَيْ: فِي الرَّوَاسِي، أَوْ فِي الْأَرْضِ فِجاجاً، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الْمَسَالِكُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ مخترق بين جبلين فهو فج وسُبُلًا تَفْسِيرٌ لِلْفِجَاجِ لِأَنَّ الْفَجَّ قَدْ لَا يَكُونُ طَرِيقًا نَافِذًا مَسْلُوكًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ إِلَى مَصَالِحَ مَعَاشِهِمْ، وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَاتُهُمْ وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً عَنْ أَنْ يَقَعَ وَيَسْقُطَ عَلَى الْأَرْضِ، كَقَوْلِهِ: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ [1] وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَحْفُوظًا بِالنُّجُومِ مِنَ الشَّيْطَانِ، كَقَوْلِهِ: وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ [2] وَقِيلَ: مَحْفُوظًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى عِمَادٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمَحْفُوظِ هُنَا الْمَرْفُوعُ، وَقِيلَ: مَحْفُوظًا عَنِ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي، وَقِيلَ: مَحْفُوظًا عَنِ الْهَدْمِ وَالنَّقْضِ وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ أَضَافَ الْآيَاتِ إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّهَا مَجْعُولَةٌ فِيهَا، وَذَلِكَ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَعْنَى الْإِعْرَاضِ أَنَّهُمْ لَا يَتَدَبَّرُونَ فِيهَا، وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا تُوجِبُهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ هَذَا تَذْكِيرٌ لَهُمْ بِنِعْمَةٍ أُخْرَى مِمَّا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ خَلَقَ لَهُمُ اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ، وَالنَّهَارَ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ فِي مَعَايِشِهِمْ، وَخَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، أَيْ:
جَعْلَ الشَّمْسَ آيَةَ النَّهَارِ، وَالْقَمَرَ آيَةَ اللَّيْلِ، لِيَعْلَمُوا عَدَدَ الشُّهُورِ وَالْحِسَابِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُبْحَانَ [3] .
كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ، أَيْ: يَجْرُونَ فِي وَسَطِ الْفَلَكِ، وَيَسِيرُونَ بِسُرْعَةٍ كَالسَّابِحِ فِي الْمَاءِ، وَالْجَمْعُ فِي الْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ الْمَطَالِعِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُنَّ بِفِعْلِ مَنْ يَعْقِلُ، وَجَعَلَهُنَّ فِي الطَّاعَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَعْقِلُ، جَعَلَ الضَّمِيرَ عَنْهُنَّ ضَمِيرَ الْعُقَلَاءِ، وَلَمْ يَقُلْ يَسْبَحْنَ أَوْ تَسْبَحُ، وَكَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: إِنَّمَا قَالَ يَسْبَحُونَ لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ، وَالْفَلَكُ وَاحِدُ أَفْلَاكِ النُّجُومِ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الدوران، ومنه فلكة الْمِغْزَلُ لِاسْتِدَارَتِهَا وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَيْ: دَوَامَ الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا أَفَإِنْ مِتَّ بِأَجَلِكَ الْمَحْتُومِ فَهُمُ الْخالِدُونَ أَيْ: أَفْهُمُ الْخَالِدُونَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: جَاءَ بِالْفَاءِ لِتَدُلَّ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّهُ جَوَابُ قَوْلِهِمْ سَيَمُوتُ. قَالَ: وَيَجُوزُ حَذْفُ الْفَاءِ وَإِضْمَارُهَا، وَالْمَعْنَى: إِنْ مِتَّ فَهُمْ يَمُوتُونَ أَيْضًا، فَلَا شَمَاتَةَ فِي الْمَوْتِ. وَقُرِئَ مِتَّ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ، وَكَانَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَ الْمُشْرِكِينَ فِيمَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [4] . كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ أَيْ: ذَائِقَةٌ مُفَارِقَةٌ جَسَدَهَا، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْفُسِ الْمَخْلُوقَةِ كَائِنًا مَا كَانَ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً أَيْ: نَخْتَبِرُكُمْ بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، لِنَنْظُرَ كَيْفَ شُكْرُكُمْ وَصَبْرُكُمْ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ يَبْلُوهُمْ، وَفِتْنَةٌ مَصْدَرٌ لِنَبْلُوَكُمْ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ لَا إِلَى غَيْرِنَا فَنُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ صاهر الجنّ فكانت بنيهم الْمَلَائِكَةُ، فَقَالَ اللَّهُ تَكْذِيبًا لَهُمْ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ أَيِ: الْمَلَائِكَةُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلْ عباد أكرمهم بعبادته

[1] الحج: 65.
[2] الحجر: 17.
[3] أي سورة الإسراء.
[4] الطور: 30.
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 479
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست