responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 350
مَحَلِّ رَفْعٍ، وَالْهُدَى الْقُرْآنُ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ- هُنَا- هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، وَالْمَعْنَى عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: مَا مَنَعَ النَّاسَ مِنَ الْإِيمَانِ وَالِاسْتِغْفَارِ إِلَّا طَلَبُ إِتْيَانِ سُنَّةِ الْأَوَّلِينَ، أَوِ انْتِظَارُ إِتْيَانِ سُنَّةِ الْأَوَّلِينَ، وَزَادَ الِاسْتِغْفَارَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ هُنَا مَا فَرَطَ مِنْهُمْ مَنِ الذُّنُوبِ الَّتِي من جملتها جدالهم بالباطل، وسنة الْأَوَّلِينَ هُوَ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا عُذِّبُوا عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: سُنَّتُهُمُ هُوَ قَوْلُهُمْ: إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ [1] الْآيَةَ: أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ أَيْ: عَذَابُ الْآخِرَةِ قُبُلًا قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّ قُبُلًا جَمْعُ قَبِيْلٍ أَيْ: مُتَفَرِّقًا يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا، وَقِيلَ: عِيَانًا، وَقِيلَ: فَجْأَةً. وَيُنَاسِبُ مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ قِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَعَاصِمٍ وَالْأَعْمَشِ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَيَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ وَخَلَفٍ قُبُلًا بِضَمَّتَيْنِ، فَإِنَّهُ جَمْعُ قَبَيْلٍ، نَحْوُ سَبِيلٍ وَسُبُلٍ، وَالْمُرَادُ أَصْنَافُ الْعَذَابِ وَيُنَاسِبُ التَّفْسِيرَ الثَّانِيَ أَيْ عِيَانًا، قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ: أَيْ: مُقَابَلَةً وَمُعَايَنَةً، وَقُرِئَ بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى مَعْنَى أَوْ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ مُسْتَقْبَلًا، وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ.
فَحَاصِلُ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَا يَسْتَغْفِرُونَ إِلَّا عِنْدَ نُزُولِ عَذَابِ الدُّنْيَا الْمُسْتَأْصِلِ لَهُمْ، أَوْ عِنْدَ إِتْيَانِ أَصْنَافِ عَذَابِ الْآخِرَةِ أَوْ مُعَايَنَتِهِ وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ مِنْ رُسُلِنَا إِلَى الْأُمَمِ إِلَّا حَالَ كَوْنِهِمْ مُبَشِّرِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَمُنْذِرِينَ لِلْكَافِرِينَ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْعَامِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ أَيْ: لِيُزِيلُوا بِالْجِدَالِ بِالْبَاطِلِ الْحَقَّ وَيُبْطِلُوهُ. وَأَصْلُ الدَّحْضِ الزَّلَقُ يُقَالُ دَحَضَتْ رِجْلُهُ: أَيْ: زَلِقَتْ تَدْحَضُ دَحْضًا، وَدَحَضَتِ الشَّمْسُ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ زَالَتْ، وَدَحَضَتْ حُجَّتُهُ دُحُوضًا: بَطَلَتْ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ طَرَفَةَ:
أَبَا مُنْذِرٍ رُمْتَ الْوَفَاءَ فَهِبْتَهُ ... وَحِدْتَ كَمَا حَادَ الْبَعِيرُ عَنِ الدَّحْضِ
وَمِنْ مُجَادَلَةِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ بِالْبَاطِلِ قَوْلُهُمْ لِلرُّسُلِ: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا [2] ، وَنَحْوَ ذَلِكَ: وَاتَّخَذُوا آياتِي أَيْ: الْقُرْآنَ وَما أُنْذِرُوا بِهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ هُزُواً أَيْ: لَعِبًا وَبَاطِلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الْبَقَرَةِ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ لِنَفْسِهِ مِمَّنْ وُعِظَ بِآيَاتِ رَبِّهِ التَّنْزِيلِيَّةِ أَوِ التَّكْوِينِيَّةِ أَوْ مَجْمُوعِهِمَا، فَتَهَاوَنَ بِهَا وَأَعْرَضَ عَنْ قَبُولِهَا، وَلَمْ يَتَدَبَّرْهَا حَقَّ التَّدَبُّرِ، وَيَتَفَكَّرْ فِيهَا حَقَّ التَّفَكُّرِ وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، فَلَمْ يَتُبْ عَنْهَا. قِيلَ: وَالنِّسْيَانُ هُنَا بِمَعْنَى التَّرْكِ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ أَيْ: أَغْطِيَةً. وَالْأَكِنَّةُ: جَمْعُ كِنَانٍ، وَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِإِعْرَاضِهِمْ وَنِسْيَانِهِمْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً أَيْ: وَجَعَلْنَا فِي آذَانِهِمْ ثِقَلًا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِمَاعِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا فِي الْأَنْعَامِ وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ أَيْ: كَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ، وَصَاحِبُ الرَّحْمَةِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَلَمْ يُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، وَلِهَذَا قَالَ:
لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا أَيْ: بِسَبَبِ مَا كَسَبُوهُ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْكُفْرُ وَالْمُجَادَلَةُ والإعراض

[1] الأنفال: 32. [.....]
[2] يس: 15.
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 350
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست