responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 284
الرُّؤْيا بِالْحَقِ
«1» وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَالرُّؤْيَا الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ أَنَّهُ رَأَى بَنِي مَرْوَانَ يَنْزَوْنَ [2] عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقِرَدَةِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَقِيلَ: إِنَّمَا هِيَ الدُّنْيَا أَعْطَوْهَا فَسُرِّيَ عَنْهُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، فَإِنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الرُّؤْيَا إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالنَّاسِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، وَيُرَادُ بِالْفِتْنَةِ مَا حَصَلَ مِنَ الْمَسَاءَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَخْبَرَ النَّاسَ بِهَا فَافْتَتَنُوا.
وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَاهُ فِي الْمَنَامِ مَصَارِعَ قُرَيْشٍ، حتى قال: «والله لكأني أنظر مَصَارِعِ الْقَوْمِ» وَهُوَ يُومِئُ إِلَى الْأَرْضِ وَيَقُولُ: «هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ، هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ» ، فَلَمَّا سمعت قُرَيْشُ ذَلِكَ جَعَلُوا رُؤْيَاهُ سُخْرِيَةً.
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ عَطْفٌ عَلَى الرُّؤْيَا، قِيلَ: وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ. قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: وَهِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، وَالْمُرَادُ بِلَعْنِهَا لَعْنُ آكِلِهَا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ- طَعامُ الْأَثِيمِ [3] . وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ لِكُلِّ طَعَامٍ مَكْرُوهٍ مَلْعُونٌ، وَمَعْنَى الْفِتْنَةِ فِيهَا أَنَّ أَبَا جَهْلٍ وَغَيْرَهُ قَالُوا: زَعَمَ صَاحِبُكُمْ أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ تَحْرِقُ الْحَجَرَ، ثُمَّ يَقُولُ يَنْبُتُ فِيهَا الشَّجَرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ أَمَرَ جَارِيَةً فَأَحْضَرَتْ تَمْرًا وَزُبْدًا وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَزَقَّمُوا. وَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: كَثَّرَ اللَّهُ مِنَ الزَّقُّومِ فِي دَارِكُمْ فَإِنَّهُ التَّمْرُ بِالزُّبْدِ بِلُغَةِ الْيَمَنِ. وَقِيلَ:
إِنَّ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ هِيَ الشَّجَرَةُ الَّتِي تَلْتَوِي عَلَى الشَّجَرِ فَتَقْتُلُهَا، وَهِيَ شَجَرَةُ الْكُشُوثُ، وَقِيلَ: هِيَ الشَّيْطَانُ، وَقِيلَ: الْيَهُودُ، وَقِيلَ: بَنُو أُمَيَّةَ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً أَيْ: نُخَوِّفُهُمْ بِالْآيَاتِ فَمَا يَزِيدُهُمُ التَّخْوِيفُ إِلَّا طُغْيَانًا مُتَجَاوِزًا لِلْحَدِّ، مُتَمَادِيًا غَايَةَ التَّمَادِي، فَمَا يُفِيدُهُمْ إِرْسَالُ الْآيَاتِ إِلَّا الزِّيَادَةَ فِي الْكُفْرِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَفْعَلُ بِهِمْ مَا فَعَلْنَاهُ بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَهُوَ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ، وَلَكِنَّا قَدْ قَضَيْنَا بِتَأْخِيرِ الْعُقُوبَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا قَالَ: كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ، وَتَمَسَّكَ الْإِنْسِيُّونَ بِعِبَادَتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ كِلَاهُمَا، يَعْنِي الْفِعْلَيْنِ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَالْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا. وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ عِيسَى وَأُمِّهِ وَعُزَيْرٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ:
هُمْ عِيسَى، وَعُزَيْرٌ، وَالشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، قَالُوا: وَمَا الْوَسِيلَةُ؟ قَالَ: الْقُرْبُ مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ: يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ فِي قَوْلِهِ: كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً قَالَ: فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مكة

(1) . الفتح: 27.
[2] «ينزون» : يتحرّكون.
[3] الدخان: 43 و 44. [.....]
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 284
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست