responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 100
قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ قِيلَ: هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ وَإِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْكُفَّارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَيِّرَ لَهُمْ جِبَالَ مَكَّةَ حَتَّى تَنْفَسِحَ فَإِنَّهَا أَرْضٌ ضَيِّقَةٌ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يُجِيبَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْجَوَابِ الْمُتَضَمِّنِ لِتَعْظِيمِ شأن القرآن وفساد رأس الْكُفَّارِ حَيْثُ لَمْ يَقْنَعُوا بِهِ وَأَصَرُّوا عَلَى تَعَنُّتِهِمْ وَطَلَبِهِمْ مَا لَوْ فَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَبْقَ مَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ مِنْ عَدَمِ إِنْزَالِ الْآيَاتِ الَّتِي يُؤْمِنُ عِنْدَهَا جَمِيعُ الْعِبَادِ. وَمَعْنَى سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ، أَيْ: بِإِنْزَالِهِ وَقِرَاءَتِهِ فَسَارَتْ عَنْ مَحَلِّ اسْتِقْرَارِهَا أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَيْ صُدِّعَتْ حَتَّى صَارَتْ قِطَعًا مُتَفَرِّقَةً أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى أَيْ صَارُوا أَحْيَاءً بِقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِمْ، فَكَانُوا يَفْهَمُونَهُ عِنْدَ تَكْلِيمِهِمْ بِهِ كَمَا يَفْهَمُهُ الْأَحْيَاءُ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَابِ لَوْ مَاذَا هُوَ؟ فَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَحْذُوفٌ، وَتَقْدِيرُهُ: لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْجَوَابَ لَكَفَرُوا بِالرَّحْمَنِ، أَيْ: لَوْ فُعِلَ بِهِمْ هَذَا لَكَفَرُوا بِالرَّحْمَنِ وَقِيلَ: جَوَابُهُ لَمَا آمَنُوا كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ: مَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [1] وَقِيلَ: الْجَوَابُ مُتَقَدِّمٌ، وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ لَوْ أَنَّ قُرْآنًا إِلَى آخِرِهِ، وَكَثِيرًا مَا تَحْذِفُ الْعَرَبُ جَوَابَ لَوْ إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَمُوتُ جَمِيعَةً ... وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تُسَاقِطُ أَنْفُسًا
أَيْ لَهَانَ عَلَيَّ ذَلِكَ بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَيْ: لَوْ أَنَّ قُرْآنًا فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ، وَلَكِنْ لَمْ يُفْعَلْ بَلْ فُعِلَ مَا عَلَيْهِ الشَّأْنُ الْآنَ، فَلَوْ شَاءَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَآمَنُوا وَإِذَا لَمْ يَشَأْ أَنْ يُؤْمِنُوا لَمْ يَنْفَعْ تَسْيِيرُ الْجِبَالِ وَسَائِرُ مَا اقْتَرَحُوهُ مِنَ الْآيَاتِ، فَالْإِضْرَابُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ كَوْنُ الْأَمْرِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَيَسْتَلْزِمُهُ مِنْ تَوَقُّفِ الْأَمْرِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ وَمَشِيئَتُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ الْكَلْبِيُّ أَفَلَمْ يَيْأَسْ بِمَعْنَى أَفَلَمْ يَعْلَمْ، وَهِيَ لُغَةُ النَّخْعِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَقِيلَ: هِيَ لُغَةُ هَوَازِنَ، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَفَلَمْ يَعْلَمُوا وَيَتَبَيَّنُوا. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهُوَ مَجَازٌ لِأَنَّ الْيَائِسَ مِنَ الشَّيْءِ عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ، نَظِيرُهُ اسْتِعْمَالُ الرَّجَاءِ فِي مَعْنَى الْخَوْفِ، وَالنِّسْيَانُ فِي التَّرْكِ لِتَضَمُّنِهُمَا إِيَّاهُمَا، وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ: أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ رَبَاحِ بْنِ عَدِيٍ:
أَلَمْ يَيْأَسِ الْأَقْوَامُ أَنِّي أَنَا ابْنُهُ ... وَإِنْ كُنْتُ عَنْ أَرْضِ الْعَشِيرَةِ نَائِيًا
أَيْ: أَلَمْ يَعْلَمْ، وَأَنْشَدَ فِي هَذَا أَبُو عُبَيْدَةَ قَوْلَ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّضْرِيِّ:
أَقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُونَنِي [2] ... أَلَمْ تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم

[1] الأنعام: 111.
[2] في تفسير القرطبي (9/ 320) : ييسرونني، من الميسر. وفي لسان العرب أن قائل البيت هو سحيم بن وثيل اليربوعي.
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 100
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست