responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 546
لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أُحْكِمَتْ ثُمَّ فُصِّلَتْ لِئَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، ثُمَّ أخبرهم رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ فَقَالَ: إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ أَيْ: يُنْذِرُهُمْ وَيُخَوِّفُهُمْ مِنْ عَذَابِهِ لِمَنْ عَصَاهُ، وَيُبَشِّرُهُمْ بِالْجَنَّةِ وَالرِّضْوَانِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَالضَّمِيرُ فِي: مِنْهُ، رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَيْ: إِنَّنِي لَكُمْ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَقَوْلِهِ: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ. قَوْلُهُ: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ معطوف على ألا تَعْبُدُوا، وَالْكَلَامُ فِي: أَنْ، هَذِهِ كَالْكَلَامِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ مَعْطُوفٌ عَلَى اسْتَغْفِرُوا، وَقَدَّمَ الْإِرْشَادَ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ عَلَى التَّوْبَةِ: لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَيْهَا وَقِيلَ: إِنَّ التَّوْبَةَ مِنْ مُتَمِّمَاتِ الِاسْتِغْفَارِ وَقِيلَ: مَعْنَى اسْتَغْفِرُوا: تُوبُوا، وَمَعْنَى تُوبُوا: أَخْلِصُوا التَّوْبَةَ وَاسْتَقِيمُوا عَلَيْهَا وَقِيلَ:
اسْتَغْفِرُوا مِنْ سَالِفِ الذُّنُوبِ ثُمَّ تُوبُوا مِنْ لَاحِقِهَا وَقِيلَ: اسْتَغْفِرُوا مِنَ الشِّرْكِ ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: ثُمَّ: هَاهُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَيْ: وَتُوبُوا إِلَيْهِ، لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ هُوَ التَّوْبَةُ، وَالتَّوْبَةُ هِيَ الِاسْتِغْفَارُ وَقِيلَ:
إِنَّمَا قُدِّمُ ذِكْرُ الِاسْتِغْفَارِ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ هِيَ الْغَرَضُ الْمَطْلُوبُ، وَالتَّوْبَةُ هِيَ السَّبَبُ إِلَيْهَا، وَمَا كَانَ آخِرًا فِي الْحُصُولِ كَانَ أَوَّلًا فِي الطَّلَبِ وَقِيلَ: اسْتَغْفِرُوا فِي الصَّغَائِرِ وَتُوبُوا إِلَيْهِ فِي الْكَبَائِرِ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ:
يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً أَصْلُ الْإِمْتَاعِ: الْإِطَالَةُ، وَمِنْهُ أمتع الله بك فمعنى الآية: بطول نَفْعَكُمْ فِي الدُّنْيَا بِمَنَافِعَ حَسَنَةٍ مَرْضِيَّةٍ مِنْ سَعَةِ الرِّزْقِ وَرَغَدِ الْعَيْشِ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِلَى وَقْتٍ مُقَدَّرٍ عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ الْمَوْتُ وَقِيلَ: الْقِيَامَةُ وَقِيلَ: دُخُولُ الْجَنَّةِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالْأَمْرُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أَيْ: يُعْطِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فِي الطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ فَضْلَهُ: أَيْ: جَزَاءَ فَضْلِهِ، إِمَّا فِي الدُّنْيَا، أَوْ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَالضَّمِيرُ فِي فَضْلِهِ رَاجِعٌ إِلَى كُلِّ ذِي فَضْلٍ وَقِيلَ: رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى مَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يُعْطِي كُلَّ مَنْ فُضِّلَتْ حَسَنَاتُهُ فَضْلَهُ الَّذِي يَتَفَضَّلُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ. ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ فَقَالَ: وَإِنْ تَوَلَّوْا أَيْ: تَتَوَلَّوْا وَتُعْرِضُوا عَنِ الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَوَصَفَهُ بِالْكِبَرِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْأَهْوَالِ وَقِيلَ: الْيَوْمُ الْكَبِيرُ: يَوْمُ بَدْرٍ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ عَذَابَ الْيَوْمِ الْكَبِيرِ بِقَوْلِهِ: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ أَيْ: رُجُوعُكُمْ إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ، ثُمَّ الْبَعْثِ، ثُمَّ الْجَزَاءِ، لَا إِلَى غَيْرِهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: عَذَابُكُمْ عَلَى عَدَمِ الِامْتِثَالِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا.
ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ هَذَا الْإِنْذَارَ، وَالتَّحْذِيرَ، وَالتَّوَعُّدَ لَمْ يَنْجَعْ فِيهِمْ، وَلَا لَانَتْ لَهُ قُلُوبُهُمْ، بَلْ هُمْ مُصِرُّونَ عَلَى الْعِنَادِ، مُصَمِّمُونَ عَلَى الْكُفْرِ، فَقَالَ مُصَدِّرًا لِهَذَا الْإِخْبَارِ بِكَلِمَةِ التَّنْبِيهِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعَجُّبِ مِنْ حَالِهِمْ، وَأَنَّهُ أَمْرٌ يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهُ الْعُقَلَاءُ وَيَفْهَمُوهُ: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يُقَالُ: ثَنَى صَدْرَهُ عَنِ الشَّيْءِ:
إِذَا ازْوَرَّ عَنْهُ وَانْحَرَفَ مِنْهُ، فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِعْرَاضِ لِأَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الشَّيْءِ ثَنَى عَنْهُ صَدْرَهُ وَطَوَى عَنْهُ كَشْحَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: يَعْطِفُونَ صُدُورَهُمْ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْكُفْرِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْحَقِّ، فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِخْفَاءِ لِمَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنَ الْكُفْرِ كَمَا كَانَ دَأْبُ الْمُنَافِقِينَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَوْلَى، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ:
لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَيْ: لِيَسْتَخْفُوا مِنَ اللَّهِ فَلَا يُطْلِعُ عَلَيْهِ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، أَوْ: لِيَسْتَخْفُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَرَّرَ كَلِمَةَ التَّنْبِيهِ مُبَيِّنًا لِلْوَقْتِ الَّذِي يَثْنُونَ فِيهِ صُدُورَهُمْ فَقَالَ: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ

نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 546
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست