responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 36
وجه اتِّصَالِ هَذَا بِمَا قَبْلَهُ التَّنْبِيهُ مِنَ اللَّهِ عَلَى أَنَّ ظُلْمَ الْيَهُودِ وَنَقْضَهُمُ الْمَوَاثِيقَ وَالْعُهُودَ هُوَ كَظُلْمِ ابْنِ آدَمَ لِأَخِيهِ، فَالدَّاءُ قَدِيمٌ، وَالشَّرُّ أَصِيلٌ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ابْنَيْ آدَمَ الْمَذْكُورَيْنِ هَلْ هُمَا لِصُلْبِهِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْأَوَّلِ. وَذَهَبَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ إِلَى الثَّانِي، وَقَالَا: إِنَّهُمَا كَانَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَضُرِبَ بِهِمَا الْمَثَلُ فِي إِبَانَةِ حَسَدِ الْيَهُودِ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ فَتَقَرَّبَا بِقُرْبَانَيْنِ وَلَمْ تَكُنِ الْقَرَابِينُ إِلَّا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا وَهْمٌ كَيْفَ يَجْهَلُ صُورَةَ الدَّفْنِ أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَقْتَدِيَ بِالْغُرَابِ؟ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ: وَاسْمُهُمَا قَابِيلُ وَهَابِيلُ، وَكَانَ قُرْبَانُ قَابِيلَ حِزْمَةٌ مِنْ سُنْبُلٍ، لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ وَاخْتَارَهَا مِنْ أَرْدَأِ زَرْعِهِ، حَتَّى إِنَّهُ وَجَدَ فِيهَا سُنْبُلَةً طَيِّبَةً فَفَرَكَهَا وَأَكَلَهَا، وَكَانَ قُرْبَانُ هَابِيلَ كَبْشًا لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبُ غَنَمٍ أَخَذَهُ مِنْ أَجْوَدِ غَنَمِهِ، فَتُقُبِّلَ قُرْبَانُ هَابِيلَ فَرُفِعَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَلَمْ يَزَلْ يَرْعَى فِيهَا إِلَى أَنْ فُدِيَ بِهِ الذَّبِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبَانُ قَابِيلَ، فَحَسَدَهُ وَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ. وَقِيلَ: سَبَبُ هَذَا الْقُرْبَانِ أَنَّ حَوَّاءَ كَانَتْ تَلِدُ فِي كُلِّ بطن ذكرا وأنثى، إلا شيئا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهَا وَلَدَتْهُ مُنْفَرِدًا، وَكَانَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُزَوِّجُ الذَّكَرَ مِنْ هَذَا الْبَطْنِ بِالْأُنْثَى مِنَ الْبَطْنِ الْآخَرِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ أُخْتُهُ الَّتِي وُلِدَتْ مَعَهُ، فَوُلِدَتْ مَعَ قَابِيلَ أُخْتٌ جَمِيلَةٌ وَاسْمُهَا إِقْلِيمَا، وَمَعَ هَابِيلَ أُخْتٌ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَاسْمُهَا لِيُوذَا فَلَمَّا أَرَادَ آدَمُ تزويجهما قَالَ قَابِيلُ: أَنَا أَحَقُّ بِأُخْتِي، فَأَمَرَهُ آدَمُ فَلَمْ يَأْتَمِرْ وَزَجَرَهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ، فَاتَّفَقُوا عَلَى القربان وأنه يتزوّجها من تقبل قُرْبَانُهُ. قَوْلُهُ: بِالْحَقِّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ وَاتْلُ أَيْ تِلَاوَةً مُتَلَبِّسَةً بِالْحَقِّ، أَوْ صفة لنبأ: أَيْ نَبَأً مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ، وَالْمُرَادُ بِأَحَدِهِمَا هَابِيلُ وبالآخر قابيل، وقالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ استئناف بياني كأنه فماذا قال الَّذِي لَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبَانُهُ؟ وَقَوْلُهُ: قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ اسْتِئْنَافٌ كَالْأَوَّلِ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا قَالَ الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ؟
وَإِنَّمَا لِلْحَصْرِ: أَيْ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ الْقُرْبَانَ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ لِأَخِيهِ: إِنَّمَا أُتِيتَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ لَا مِنْ قِبَلِي، فَإِنَّ عَدَمَ تَقَبُّلِ قُرْبَانِكَ بِسَبَبِ عَدَمِ تَقْوَاكَ. قَوْلُهُ: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي أي لأن قصدت قتلي، واللام هي الموطئة، وما أَنَا بِباسِطٍ جَوَابُ الْقَسَمِ سَادَّ مَسَدَّ جَوَابِ الشَّرْطِ، وَهَذَا اسْتِسْلَامٌ لِلْقَتْلِ مِنْ هَابِيلَ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «إِذَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ فَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ» وَتَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ الْفَرْضُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَسِلَّ أَحَدٌ سَيْفًا وَأَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِمَّنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ وُرُودُ التَّعَبُّدِ بِهِ، إِلَّا أَنَّ فِي شَرْعِنَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إِجْمَاعًا، وَفِي وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ خِلَافٌ. وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَفِي الْحَشْوِيَّةِ قَوْمٌ لَا يُجَوِّزُونَ لِلْمَصُولِ عَلَيْهِ الدَّفْعَ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَحَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ وَكَفِّ الْيَدِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ، انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ. وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَهْلِ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَفِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قُلْتُ:
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ وَأَغْلِقْ عَلَيْكَ بَابَكَ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ أترك، قال: فأت مَنْ أَنْتَ مِنْهُمْ فَكُنْ فِيهِمْ، قَالَ: فَآخُذُ سِلَاحِي؟ قَالَ: إِذَنْ تُشَارِكُهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ، ولكن إن خَشِيتَ أَنْ يَرْدَعَكَ

نام کتاب : فتح القدير للشوكاني نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 36
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست