التغيير. وأصح الأقوال أن السجود كان بمعنى وضع الجبهة ولكن لا عبادة بل
تكرمة وتحية كالسلام منهم عليه ، وقد كانت الأمم السالفة تفعل ذلك بدل التسليم.
قال قتادة في قوله (وَخَرُّوا لَهُ
سُجَّداً) [يوسف : ١٠٠] كان تحية الناس يومئذ سجود بعضهم لبعض ، ويجوز أن تختلف
الرسوم والعادات باختلاف الأزمنة والأوقات. واختلف في أن إبليس من الملائكة أم لا.
فقال أكثر المتكلمين لا سيما المعتزلة : إنه لم يكن منهم. وقال كثير من الفقهاء :
إنه كان منهم حجة الأولين أنه من الجن لقوله تعالى في الكهف (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) [الآية : ٥٠] فلا يكون من الملائكة. وأيضا قال (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ
يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا
سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) [سبأ : ٤٠] ورد الأول بأن الجن قد يطلق على الملك لاستتاره عن العيون ،
وبأن كان يحتمل أن تكون بمعنى صار. والثاني بأنه لا يلزم من كون الجن في هذه الآية
نوعا مغايرا للملائكة أن يكون في الآية الأولى أيضا مغايرا ، لاحتمال كونه على
مقتضى أصل اللغة وهو الاستتار. وقالوا : إن إبليس له ذرية لقوله تعالى (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ
أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) [الكهف : ٥٠] والملائكة لا ذرية لها لأنها تحصل من الذكر والأنثى ولا إناث
فيهم لقوله (وَجَعَلُوا
الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩] منكرا عليهم وأيضا الملائكة معصومون لما سلف ، وإبليس لم يكن
كذلك. وأيضا إنه من النار (خَلَقْتَنِي مِنْ
نارٍ) [ص : ٧٦] وأنهم من نور لقوله صلىاللهعليهوسلم «خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار» [١] رواه الزهري عن عروة عن عائشة. ومن المشهور الذي لا
يدفع أن الملائكة روحانيون ، فقيل سموا بذلك لأنهم من الريح أو من الروح. وأيضا
الملائكة رسل (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ
رُسُلاً) [فاطر : ١] ورسل الله معصومون (اللهُ أَعْلَمُ
حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] حجة الآخرين أنه استثناه من الملائكة ، وحمله على المتصل
أولى ، لأن تخصيص العمومات في كتاب الله أكثر من الاستثناء المنقطع. قيل : إنه جني
واحد مغمور بين ظهراني ألوف من الملائكة فغلبوا عليه ، وهذا لا ينافي كون
الاستثناء متصلا. وأجيب بأن التغليب إنما يصار إليه إذا كان المغلوب ساقطا عن درجة
الاعتبار ، أما إذا كان معظم الحديث فيه فلا يصار إلى التغليب. وأيضا لو لم يكن من
الملائكة لم يتناوله الخطاب بـ (اسْجُدُوا) وحينئذ لم يستحق بترك السجود لوما وتعنيفا ، ولا يمكن
أن يقال إنه نشأ معهم والتصق بهم فتناوله الأمر لما بين في أصول الفقه أن خطاب
الذكور لا يتناول الإناث وبالعكس مع شدة المخالطة بين الصنفين ،
[١] رواه مسلم في
كتاب الزهد حديث ٦٠. أحمد في مسنده (٦ / ١٥٣ ، ١٦٨).