responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 76
فِرْعَوْنَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَخَاصَّةً مَلَئِهِ، فَالْمُرَادُ بِآلِهِ قَوْمُهُ، وَهُمْ أَهْلُ مِصْرَ فِي عَهْدِهِ، وَهُمْ مُؤَاخَذُونَ بِظُلْمِهِ وَطُغْيَانِهِ؛ لِأَنَّ قُوَّتَهُ الْمَالِيَّةَ وَالْجُنْدِيَّةَ مِنْهُمْ، وَقَدْ خَلَقَهُمُ اللهُ أَحْرَارًا وَكَرَّمَهُمْ بِالْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ الَّتِي تَكْرَهُ الظُّلْمَ وَالطُّغْيَانَ بِالْغَرِيزَةِ، فَكَانَ حَقًّا عَلَيْهِمْ أَلَّا يَقْبَلُوا اسْتِعْبَادَهُ لَهُمْ، وَجَعْلَهُمْ آلَةً لِطُغْيَانِهِ وَإِرْضَاءِ كِبْرِيَائِهِ وَشَهَوَاتِهِ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ بِعْثَةِ مُوسَى وَوُصُولِ دَعْوَتِهِ إِلَيْهِمْ وَرُؤْيَتِهِمْ، لَمَّا أَيَّدَهُ اللهُ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ.
وَأَمَّا السُّنُونَ فَهِيَ جَمْعُ سَنَةٍ، وَهِيَ بِمَعْنَى الْحَوْلِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ مَا اسْتُعْمِلَ فِي الْحَوْلِ الَّذِي فِيهِ الْجَدْبُ، كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ وَغَيْرُهُ؛ أَيْ: إِلَّا إِذَا ذُكِرَتْ فِي مَقَامِ الْعَدَدِ وَالْإِحْصَاءِ، وَالْأَخْذُ بِالسِّنِينَ صَرِيحٌ فِي إِرَادَةِ الْعِقَابِ بِالْجَدْبِ وَالضِّيقِ، وَيُؤَيِّدُهُ نَقْصُ الثَّمَرَاتِ، وَهَلْ يَدْخُلُ نَقْصُ الثَّمَرَاتِ فِي عُمُومِ الْمُرَادِ مِنَ السِّنِينَ، أَمْ هِيَ خَاصَّةٌ بِنَقْصِ الْغِلَالِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْأَقْوَاتِ دُونَ الْفَاكِهَةِ الَّتِي لَا
تَكْفِي الْقُوتَ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا النَّخِيلُ وَالْأَعْنَابُ؟ وَجْهَانِ: وَنَقْصُ الثَّمَرَاتِ نَصٌّ عَلَى شِدَّةِ الضِّيقِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَهَذَا إِجْمَالٌ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ (7: 133) وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.
وَجُمْلَةُ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى أَخَذَ آلَ فِرْعَوْنَ بِالْجَدْبِ وَضِيقِ الْمَعِيشَةِ؛ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ضَعْفَهُمْ أَمَامَ قُوَّةِ اللهِ وَعَجْزِ مَلِكِهِمُ الْجَبَّارِ الْمُتَغَطْرِسِ وَعَجْزِ آلِهَتِهِمْ، وَلَعَلَّهُمْ إِذَا تَذَكَّرُوا اعْتَبَرُوا وَاتَّعَظُوا فَرَجَعُوا عَنْ ظُلْمِهِمْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَجَابُوا دَعْوَةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ فَإِنَّ الشَّدَائِدَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُرَقِّقَ الْقُلُوبَ، وَتُهَذِّبَ الطِّبَاعَ، وَتُوَجِّهَ الْأَنْفُسَ إِلَى مَرْضَاةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالتَّضَرُّعِ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَعْبُودَاتِ الَّتِي اتُّخِذَتْ فِي الْأَصْلِ وَسَائِلَ إِلَيْهِ وَشُفَعَاءَ عِنْدَهُ، ثُمَّ صَارَ يُنْسَى فِي وَقْتِ الرَّخَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْبٌ لَا يُرَى، وَتُذْكُرُ هِيَ؛ لِأَنَّهَا مُشَاهَدَةٌ مُجَانِسَةٌ لِعَابِدِيهَا، بَلْ هِيَ أَوْ أَكْثَرُهَا دُونَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْقِلُونَ، فَإِذَا بَلَغَ الشِّرْكُ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَنْسُوا اللهَ تَعَالَى حَتَّى فِي أَوْقَاتِ الشَّدَائِدِ فَذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ.
كَذَلِكَ كَانَ دَأْبُ آلِ فِرْعَوْنَ بَعْدَ إِنْذَارِ مُوسَى إِيَّاهُمْ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ مِنْ خِصْبٍ وَرَخَاءٍ وَهُوَ الْغَالِبُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ دُونَ غَيْرِنَا، وَنَحْنُ الْمُسْتَحِقُّونَ لَهَا بِمَا لَنَا مِنَ التَّفَوُّقِ عَلَى النَّاسِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَيْ: وَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ أَصَابَتْهُمْ سَيِّئَةٌ - أَيْ: حَالَةٌ تَسُوؤُهُمْ كَجَدْبٍ أَوْ جَائِحَةٍ أَوْ مُصِيبَةٍ أُخْرَى فِي الْأَبْدَانِ أَوِ الْأَرْزَاقِ - تَشَاءَمُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ كَأَخِيهِ هَارُونَ أَوْ جَمِيعِ قَوْمِهِ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا أُصِيبُوا بِشُؤْمِهِ وَشُؤْمِهِمْ، وَيَغْفُلُونَ عَنْ سَيِّئَاتِ أَنْفُسِهِمْ وَظُلْمِهِمْ لِقَوْمِ مُوسَى؛ لِأَنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْإِفْرِنْجِ فِي ظُلْمِهِمْ لِمَنْ يَسْتَضْعِفُونَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّرْقِ.
أَصْلُ " يَطَّيَّرُوا " يَتَطَيَّرُوا فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الطَّاءِ، وَسَبَبُ اسْتِعْمَالِ التَّطَيُّرِ بِمَعْنَى التَّشَاؤُمِ: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَوَقَّعُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ مِمَّا تَرَاهُ مِنْ حَرَكَةِ الطَّيْرِ، حَتَّى إِنَّهَا تَزْجُرُهَا إِذَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 76
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست