responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 508
وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ وَهَذِهِ مِنَّةٌ ثَالِثَةٌ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَانَ لَهَا شَأْنٌ عَظِيمٌ فِي انْتِصَارِهِمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ غَلَبُوا الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمْ عَلَى الْمَاءِ فَظَمِئَ الْمُسْلِمُونَ وَصَلَّوْا مُجْنِبِينَ مُحْدِثِينَ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ رِمَالٌ فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمُ الْحُزْنَ، وَقَالَ: أَتَزْعُمُونَ أَنَّ فِيكُمْ نَبِيًّا، وَأَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللهِ وَتُصَلُّونَ مُجْنِبِينَ مُحْدِثِينَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَ عَلَيْهِمُ الْوَادِي مَاءً فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَطَهَّرُوا وَثَبَتَتْ أَقْدَامُهُمْ (أَيْ عَلَى الدَّهَاسِ أَوِ الرَّمْلِ اللَّيْنِ لِتَلَبُّدِهِ بِالْمَطَرِ) وَذَهَبَتْ وَسْوَسَتُهُ. هَذَا أَثْبَتُ وَأَوْضَحُ وَأَبْسَطُ مَا وَرَدَ فِي الْمَأْثُورِ عَنْ هَذَا الْمَطَرِ فِي بَدْرٍ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ النُّعَاسِ خِلَافًا لِظَاهِرِ التَّرْتِيبِ فِي الْآيَةِ، وَالْوَاوُ لَا تُوجِبُهُ.
وَلَوْلَا هَذَا الْمَطَرُ لَمَا أَمْكَنَ الْمُسْلِمِينَ الْقِتَالُ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا رَجَّالَةً لَيْسَ فِيهِمْ إِلَّا فَارِسٌ وَاحِدٌ هُوَ الْمِقْدَادُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ دَهَاسًا تَسِيخُ فِيهَا الْأَقْدَامُ أَوْ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهَا. قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ: وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَطَرًا وَاحِدًا فَكَانَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَابِلًا شَدِيدًا مَنَعَهُمْ مِنَ التَّقَدُّمِ، وَكَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَلًّا طَهَّرَهُمْ بِهِ، وَأَذْهَبَ عَنْهُمْ رِجْسَ الشَّيْطَانِ، وَوَطَّأَ بِهِ الْأَرْضَ وَصَلَّبَ الرَّمْلَ، وَثَبَّتَ الْأَقْدَامَ، وَمَهَّدَ بِهِ الْمَنْزِلَ، وَرَبَطَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَسَبَقَ رَسُولُ اللهِ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْمَاءِ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ شَطْرَ اللَّيْلِ وَصَنَعُوا الْحِيَاضَ، ثُمَّ غَوَّرُوا مَا عَدَاهَا مِنَ الْمِيَاهِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الْحِيَاضِ، وَبُنِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيشٌ يَكُونُ فِيهَا عَلَى تَلٍّ مُشْرِفٍ عَلَى الْمَعْرَكَةِ، وَمَشَى فِي مَوْضِعِ الْمُعَارَكَةِ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ " هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى " فَمَا تَعَدَّى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَوْضِعَ إِشَارَتِهِ اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ مَسْأَلَةَ الْمَطَرِ بِنَحْوٍ مِمَّا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحُدِّثْتُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ، وَلَا أَنْ نَتَأَخَّرَ عَنْهُ؟ أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: " بَلْ هُوَ الْحَرْبُ وَالرَّأْيُ وَالْمَكِيدَةُ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلٍ فَانْهَضْ بِالنَّاسِ حَتَّى تَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ فَتَنْزِلَهُ ثُمَّ نُغَوِّرَ مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقُلُبِ - بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ قَلِيبٍ، وَهِيَ الْبِئْرُ غَيْرُ الْمَطْوِيَّةِ أَيْ غَيْرُ الْمَبْنِيَّةِ بِالْحِجَارَةِ - ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً ثُمَّ نُقَاتِلُ الْقَوْمَ فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ " وَذَكَرَ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ.
ذَكَرَ تَعَالَى لِذَلِكَ الْمَطَرِ أَرْبَعَ مَنَافِعَ: (الْأُولَى) تَطْهِيرُهُمْ بِهِ، أَيْ تَطْهِيرًا حِسِّيًّا بِالنَّظَافَةِ الَّتِي تَشْرَحُ الصَّدْرَ وَتُنَشِّطُ الْأَعْضَاءَ فِي كُلِّ عَمَلٍ، وَشَرْعِيًّا بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ مِنْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 508
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست