responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 341
وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ أَيْ: وَلَكِنَّهُ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ التَّسَفُّلَ الْمُنَافِيَ لِتِلْكَ الرِّفْعَةِ بِأَنْ أَخْلَدَ وَمَالَ إِلَى الْأَرْضِ وَزِينَتِهَا، وَجَعَلَ كُلَّ حَظِّهِ مِنْ حَيَاتِهِ التَّمَتُّعَ بِمَا فِيهَا مِنَ اللَّذَائِذِ الْجَسَدِيَّةِ، فَلَمْ يَرْفَعْ إِلَى الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ رَأْسًا، وَلَمْ يُوَجِّهْ إِلَى الْحَيَاةِ الرُّوحِيَّةِ الْخَالِدَةِ عَزْمًا، وَاتَّبِعَ هَوَاهُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُرَاعِ فِيهِ الِاهْتِدَاءَ بِشَيْءٍ مِمَّا آتَيْنَاهُ مِنْ آيَاتِنَا، وَقَدْ مَضَتْ سَنَتُنَا فِي خَلْقِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ بِأَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا فِي عَمَلِهِ الْمُسْتَعِدِّ لَهُ فِي أَصْلِ فِطْرَتِهِ، لِيَكُونَ الْجَزَاءُ عَلَيْهِ بِحَسَبِهِ، وَأَنْ نَبْتَلِيَهُ وَنَمْتَحِنَهُ بِمَا خَلَقْنَا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ مِنَ الزِّينَةِ وَالْمُسْتَلَذَّاتِ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (18: 7) وَتَوَلَّى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا تَوَلَّى مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (17: 18 - 21) .
وَقَدْ مَضَتْ سَنَتُنَا أَيْضًا بِأَنَّ اتِّبَاعَ الْإِنْسَانِ لِهَوَاهُ بِتَحَرِّيهِ وَتَشَهِّيهِ مَا تَمِيلُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ فِي كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِ، دُونَ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَالْفَائِدَةُ لَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ جَسَدٌ
وَرُوحٌ، يُضِلُّهُ عَنْ سَبِيلِ اللهِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَتَعَسَّفُ بِهِ فِي سُبُلِ الشَّيْطَانِ الْمُرْدِيَةِ الْمُهْلِكَةِ. قَالَ تَعَالَى لِخَلِيفَتِهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ (38: 26) وَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ مَا أَوْحَاهُ إِلَى كَلِيمِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ ذِكْرِ السَّاعَةِ: فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (20: 16) وَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ لِخَاتَمِ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِ صَلَوَاتُهُ وَسَلَامُهُ: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (25: 43) وَالْآيَاتُ فِي ذَمِّ الْهَوَى وَالنَّهْيِ عَنْهُ كَثِيرَةٌ، وَحَسْبُكَ مِنْهَا قَوْلُهُ: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ (23: 71) .
وَحَاصِلُ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالِاسْتِدْرَاكِ: أَنَّ مِنْ شَأْنِ مَنْ أُوتِيَ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى أَنْ تَرْتَقِيَ نَفْسُهُ، وَتَرْتَفِعَ فِي مَرَاقِي الْكَمَالِ دَرَجَتُهُ، لِمَا فِيهَا مِنَ الْهِدَايَةِ وَالْإِرْشَادِ وَالذِّكْرَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِمَنْ أَخَذَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَتَلَقَّاهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ: " وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَمْ تَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، وَإِنَّمَا تَلَقَّى الْآيَاتِ الْإِلَهِيَّةَ اتِّفَاقًا بِغَيْرِ قَصْدٍ، أَوْ بِنِيَّةِ كَسْبِ الْمَالِ وَالْجَاهِ، وَوَجَدَ مَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ مَا يَصْرِفُهُ عَنِ الِاهْتِدَاءِ بِهَا فَلَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْهَا، وَأَسْرَعَ بِهِ أَنْ يَنْسَلِخَ مِنْهَا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ; لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا هُدًى وَنُورٌ، وَلَكِنْ تَعَارَضَ الْمُقْتَضَى وَالْمَانِعُ، وَهُوَ إِخْلَادُهُ إِلَى الْأَرْضِ وَاتِّبَاعِ هَوَاهُ:
قَالُوا فُلَانٌ عَالِمٌ فَاضِلٌ ... فَأَكْرَمُوهُ مِثْلَمَا يَقْتَضِي
فَقُلْتُ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَامِلًا ... تَعَارَضَ الْمَانِعُ وَالْمُقْتَضِي

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 341
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست