responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 256
يُؤْمِنُ بِرِسَالَتِهِ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً لَا يُعْتَدُّ بِإِيمَانِهِ ; لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِهَذِهِ النُّصُوصِ الْعَامَّةِ الْقَطْعِيَّةِ مِمَّا جَاءَ بِهِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفَرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيُكَوَّنَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (25: 1) وَقَوْلِهِ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (21: 107) وَهُوَ يَشْمَلُ عُقَلَاءَ الْجِنِّ. وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ نَاطِقَةٌ بِاخْتِصَاصِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِرِسَالَةِ الْعَامَّةِ كَحَدِيثِ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ
فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً وَفِي رِوَايَةٍ " كَافَّةً "، وَرَوَاهُ آخَرُونَ عَنْ غَيْرِهِ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى، وَلَمَّا كَانَتِ الشَّفَاعَةُ عَلَى إِطْلَاقِهَا غَيْرَ خَاصَّةٍ بِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْخَاصَّ بِهِ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى لِجَمِيعِ الْخَلْقِ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ فِيهِمْ وَمُحَاسَبَتِهِمْ لِيُعْلَمَ مُسْتَقَرُّ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَفِي أَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ أَهْلَ الْمَوْقِفِ يُرْسِلُونَ الْوُفُودَ إِلَى آدَمَ فَنُوحٍ فَإِبْرَاهِيمَ فَمُوسَى فَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَطْلُبُونَ مِنْهُمُ الشَّفَاعَةَ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى بِفَضْلِ الْقَضَاءِ، فَيَعْتَرِفُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ وَيَقُولُ " لَسْتُ هُنَاكُمْ " وَيَطْلُبُ النَّجَاةَ لِنَفْسِهِ وَيُحِيلُهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ، حَتَّى إِذَا أَحَالَهُمْ عِيسَى عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَجَابَهُمْ إِلَى طَلَبِهِمْ، وَقَالَ: " أَنَا لَهَا " وَفِي رِوَايَةٍ " أَنَا صَاحِبُكُمْ " فَيُشَفَّعُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْخَلْقِ فَتُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ. وَقِيلَ: مَا يَعُمُّهَا وَغَيْرَهَا، وَالرِّوَايَاتُ فِي الشَّفَاعَةِ مُتَدَاخِلَةٌ مُضْطَرِبَةٌ، وَلَسْنَا بِصَدَدِ تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِيهَا.
ثُمَّ وَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَتَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ وَبِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ فَقَالَ: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يَحْيَى وَيُمِيتُ وَالْمُرَادُ بِمُلْكِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: التَّصَرُّفُ وَالتَّدْبِيرُ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ، لِمَا جَرَى عَلَيْهِ عُرْفُ الْبَشَرِ مِنْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ هِيَ الْعَوَالِمُ الَّتِي تَعْلُو هَذِهِ الْأَرْضَ الَّتِي يَعِيشُونَ فِيهَا، وَصَاحِبُ الْمُلْكِ وَالتَّصَرُّفِ وَالتَّدْبِيرِ فِيهِمَا هُوَ رَبُّهُمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ وَهُوَ وَاحِدٌ، وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِهِ تَصَرَّفٌ لَتَعَارَضَ مَعَ تَصَرُّفِهِ، وَفَسَدَ النِّظَامُ الْعَامُّ ; فَإِنَّ وَحْدَةَ النِّظَامِ فِي جُمْلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ وَعَدَمِ التَّفَاوُتِ وَالتَّعَارُضِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى وَحْدَةِ مَصْدَرِهَا وَتَدْبِيرِهَا، وَإِذَا كَانَ رَبُّ الْخَلَائِقِ وَاحِدًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَعْبُودَ وَحْدَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَالتَّوْحِيدُ بِقِسْمَيْهِ، تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ بِالْإِيمَانِ وَتَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ - أَيْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ - هَمَّا أَصْلُ الدِّينِ وَأَسَاسُهُ، وَالرُّكْنُ الْأَوَّلُ لِعَقَائِدِهِ، وَقَدِ اقْتَرَنَ بِرِسَالَةِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي، وَأَمَّا وَصْفُهُ تَعَالَى بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، وَهُوَ بَعْضُ تَصَرُّفِ الرَّبِّ فِي خَلْقِهِ فَيَتَضَمَّنُ عَقِيدَةَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ الَّتِي هِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ، فَقَدْ أُدْمِجَتْ فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ أَرْكَانُ الدِّينِ الثَّلَاثَةُ - وَهُوَ مِنْ إِيجَازِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 256
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست