responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 119
لَا تَنْفَعُ مَعَهُ صَلَاةٌ وَلَا زَكَاةٌ وَلَا
حَجٌّ وَلَا صِيَامٌ، وَمَا أَفْضَى إِلَى هَذَا الضَّلَالِ الْمُبِينِ إِلَّا التَّوَسُّعُ فِي بَابِ التَّأْوِيلِ:
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ كُلًّا مِنْ مُثْبِتِي رُؤْيَةِ الرَّبِّ - تَعَالَى - فِي الْآخِرَةِ وَنُفَاتِهَا قَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ النُّصُوصَ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَذْهَبِهِ قَطْعِيَّةٌ، حَتَّى إِنَّ النَّافِيَ جَعَلَ نُصُوصَ الْإِثْبَاتِ دَالَّةً عَلَى النَّفْيِ، وَالْمُثْبِتَ جَعَلَ نُصُوصَ النَّفْيَ دَالَّةً عَلَى الْإِثْبَاتِ، كَقَوْلِ بَعْضِ النُّفَاةِ إِنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى - إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ يُفِيدُ الْحَصْرَ بِتَقْدِيمِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ أَيْ تَنْظُرُ إِلَى رَبِّهَا وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ، كَقَوْلِهِ أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (42: 53) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (53: 42) أَيْ: لَا إِلَى سِوَاهُ، وَلَمَّا كَانَ عَدَمُ نَظَرِهِمْ إِلَى غَيْرِ رَبِّهَا مَمْنُوعٌ عَقْلًا وَنَقْلًا وَجَبَ حَمْلُ النَّظَرِ عَلَى مَعْنَاهُ الْآخَرِ وَهُوَ الِانْتِظَارُ، بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَنْتَظِرُ الْخَيْرَ مِنْ غَيْرِهِ (رَاجِعِ الْكَشَّافَ) .
وَيُقَابِلُ هَذَا مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (6: 103) عَلَى رُؤْيَتِهِ - تَعَالَى - مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْإِدْرَاكَ مَعْنَاهُ الْإِحَاطَةُ، وَإِدْرَاكُ الْأَبْصَارِ إِنَّمَا إِحَاطَتُهَا بِالْمَرْئِيِّ، فَنَفْيُ الْإِدْرَاكِ يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتُ رُؤْيَةِ الْإِدْرَاكِ فِيهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ الَّتِي تَرَاهُ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ الَّتِي يَرَاهَا، وَيُحِيطُ بِهَا. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (20: 110) أَيْ: هُوَ يُحِيطُ بِهِمْ عِلْمًا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (85: 20) وَهُمْ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا؛ لِأَنَّ إِحَاطَةَ الْمُحَاطِ بِهِ بِالْمُحِيطِ مُحَالٌ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ أَصْلِ الْعِلْمِ بِهِ لَا نَفْيُهُ، كَآيَةِ نَفْيِ إِدْرَاكِ الْأَبْصَارِ، وَكُلٌّ مِنْهَا جَارٍ عَلَى قَاعِدَةٍ مَعْرُوفَةٍ فِي اللُّغَةِ، وَهِيَ أَنَّ نَفْيَ الْمُقَيَّدِ يُقْصَدُ بِهِ إِلَى الْقَيْدِ، وَأَنَّ نَفْيَ وَصْفٍ خَاصٍّ لِمَعْنَى عَامٍّ يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ ذَلِكَ الْعَامِّ، كَقَوْلِكَ: فُلَانٌ لَا يَشْبَعُ - فَإِنَّهُ إِثْبَاتٌ لِلْأَكْلِ وَنَفْيٌ لِلشِّبَعِ.
هَذَا تَوْجِيهٌ لِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ فَتَحَ اللهُ - تَعَالَى - بِهِ عَلَيْنَا، وَقَدْ رَأَيْنَا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ تَوْجِيهًا آخَرَ، مُلَخَّصُهُ: أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي مَقَامِ التَّمَدُّحِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَدْحُ بِالْأَوْصَافِ الثُّبُوتِيَّةِ لَا بِالْعَدَمِ الْمَحْضِ، وَمَا تَمْدَّحَ - تَعَالَى - بِأَمْرٍ سَلْبِيٍّ أَوْ عَدَمِيٍّ إِلَّا إِذَا تَضَمَّنَ مَعْنًى ثُبُوتِيًّا، كَنَفْيِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ الْمُتَضَمَّنِ لِكَمَالِ الْقَيُّومِيَّةِ، وَنَفْيِ الْمَوْتِ الْمُتَضَمَّنِ لِكَمَالِ الْحَيَاةِ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ وَالظَّهِيرِ الْمُتَضَمَّنِ لِكَمَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ، وَنَفْيِ الشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ الْمُتَضَمَّنِ لِكَمَالِ تَوْحِيدِهِ وَغِنَاهُ عَنْ خَلْقِهِ، وَنَفْيِ الْمِثْلِ الْمُتَضَمَّنِ لِكَمَالِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ. . . قَالَ: فَكَذَلِكَ نَفْيُ إِدْرَاكِ الْأَبْصَارِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُرَى بِحَالٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ، وَالرَّبُّ - جَلَّ جَلَالُهُ - يَتَعَالَى أَنْ يَتَمَدَّحَ بِمَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ، فَالْمَعْنَى إِذَنْ أَنَّهُ يُرَى
وَلَا يُدْرَكُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ - كَنَظَائِرِهِ - فَقَوْلُهُ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ عَظَمَتِهِ، وَأَنَّهُ أَكْبَرُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 119
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست